تقدم الدبكة في إقليم كردستان العراق متعة بصرية وفنية رائقة بإيقاعاتها المختلفة وتصميم رقصاتها والنغمات المرافقة لها، لتكون أكثر العروض جذبا للجماهير ضمن الفنون التراثية الشعبية في الإقليم، وهي تحضر بمختلف المناسبات والفعاليات لتبرز ذلك التوهج في الذاكرة الجمعية والحنين إلى الماضي.
ولكل منطقة أو قبيلة في الإقليم رقصاتها الخاصة رغم تشابه بعض الحركات التي تتميز بسرعة الإيقاع والأداء الجماعي، إلا أن لكل رقصة أسلوبها الخاص واسمها المختلف، وتتطلب أدوات موسيقية شعبية تجعلها أكثر إثارة.
في قاعة ميديا بمدينة أربيل تدرب "أرزو هونر" رئيسة فرقة "روزهلات" للفنون الشعبية فرقتها المتكونة من عشرة راقصين من كلا الجنسين وتـحدث عن كيفية اختيار نوعية الدبكة في المناسبات الرسمية.
وتشير هونر إلى أن الدبكة غالبا ما تعكس ولع الإنسان بالتراث وحنينه إلى الماضي من خلال تصميم اللوحات الراقصة، والدبكة الكردية -كما تقول- تتميز بأنواع مختلفة تمثل ثقافة جميع مناطق كردستان العراق، وتختلف في بعض تفاصيلها وعدد خطواتها جيئة وذهابا حسب المنطقة أو القرية.
إحدى الدبكات في إقليم كردستان العراق والتي تختص بها فئة الشباب
وتؤكد الدراسات التاريخية أن الدبكة الكردية في أصولها تتكون من ثلاثة أنواع رئيسية وهي "الكرمانجية" و"السورانية" و"الفيلية" منها تتوزع إلى دبكات فرعية ولكن باختلافات بسيطة في طريقة تشابك الأيدي أو الحركات الفردية أو سرعة الإيقاع.
وتتفق هونر مع هذه الدراسة، وتشير إلى أن فرقتها تتبع في أغلب الأحيان الدبكة "السورانية" التي تكون على أنغام إيقاع رشبلك الكردية باختلاف الكرمانجية التي تكون على إيقاع "هيوه".
ويؤكد سربست عبد الله -وهو قائد فرقة جنار للفنون الشعبية والفلكلورية وطالب في أكاديمية الفنون الجميلة بجامعة صلاح الدين قسم التصميم- أن لكل دبكة تصميما خاصا وطريقة مختلفة في الأداء ونوع الموسيقى التي ترافقها.
وتابع -في حديث للجزيرة نت- أنه في دبكة "رشبلك" على سبيل المثال يتشارك الرجال والنساء معا في بعض الأحيان، وتستخدم في الحفلات الصاخبة عند ذروتها، يخرج أحد المشاركين من حلبة الرقص ويرقص منفردا.
آلة الزورنة من أبرز الآلات الموسيقية المصاحبة للدبكة
حضور التراث
أما دبكة "فقيانا" هذا النوع من الدبكة خاص "بطلبة الحجرة"، غالبا ما كان يشكل هؤلاء الطلبة حلبة رقص من هذا النوع بعد انتهاء الامتحانات الفصلية.
يلتقي الطلبة ويشكلون صفا في أول الأمر، ليبدؤوا برفع الأيادي، ثم رفع الرجل اليسرى، ويتجهون شمالا ويمينا وبسرعة فائقة، وهذه الدبكة خاصة بالرجال فقط.
ويضيف عبد الله أن هناك أنواعا صعبة من الدبكات تقتصر على بعض المناطق حيث يتعلمها الأبناء منذ الصغر منها دبكة "بابلكان"، وهذا النوع من الدبكة غالبا ما يكون في مناطق شيروان مازن وميركة سور أقصى شمال محافظة أربيل.
وتعد من أصعب أنواع الدبكات الكردية، إذ يقدم المشاركون فيها خطوة إلى الأمام من خلال الرجل اليسرى من دون العودة، يكرر ذلك ثلاث مرات وبسرعة فائقة، ثم يتجهون خطوة نحو اليمين ويهزون الأيدي. في بداية الدبكة يتم البدء بالأكتاف، ثم التقدم خطوة إلى الأمام مع العودة إلى اليسار، ثم خطوة إلى الأمام والعودة بواسطة الرجل اليمنى. بعد ذلك يتم ضرب الأرض مرتين بالرجل اليسرى.
ويقول أحد أعضاء فرقة روزهلات للفنون الشعبية محمد هوشيار إنهم يتدربون على دبكات حديثة يسمونها الشبابية منها "دبكة كولشيني"، وهذا النوع من الدبكات الشبابية -كما يقول-يشارك فيها الرجال والنساء معا، حيث تتشابك الأيدي بواسطة السبابة، ويقدم الجميع الرجل اليسرى خطوة إلى الأمام والعودة إلى الوضع الطبيعي ثم يتكرر ذلك، مع استمرارية الدوران في حلقة نصف دائرية.
ويؤكد محمد أن النساء لهن دبكة خاصة وهادئة بعض الشيء، والظاهر فيها حركة الأكتاف وتسمى "ملاني".
وباختلاف تفاصيلها وإيقاعاتها تعتبر الدبكة الكردية جزءا من الموروث الشعبي للكرد أينما كانوا، وقد تحولت مع الزمن إلى تراث ثقافي يرسم ملامح ثقافتهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق