بقلم: محمد أكوري
لا يتجادل إثنان في أن البحث اللساني في اللغة الأمازيغية مازال يطرح عدة إشكالات تبقى كلها عميقة، إذ يرتبط أغلبها بأشكال المادة اللغوية والمعطيات اللسانية التي يقوم بوصفها اللغوي، حيث نرى على صعيد بعض الدراسات أن الكثير من الواصفين للغة الأمازيغية اكتفوا بالبحث في المعطيات اللغوية التي لها غالبا علاقة بإحدى لهجات هذه اللغة أو تلك دون أن يكلفوا أنفسهم البحث عن معطيات جديدة تعكس اللغة الأمازيغية كلغة معيارية موحدة،لها هي الأخرى وجودها في شتى تخصصات اللسانيات من نحو وصرف و تركيب ومعجم ودلالة.
إلا أن الإشكال الكبير الذي يمكن أن يدركه الفاحص والدارس لهذه اللغة هو أن بعض الدارسين، وليس الكل، قد اعترضهم مشكل المنهج والخطاب، اللذين يبقيان أساسيين لكل دراسة لسانية لأية لغة كيفما كان مكانها وزمانها. ففيما يتعلق بالمنهج، فالملاحظ أن الباحث دائما يضطر إلى سلك منهج غربي أو عربي سار عليه اللغويون من ذي قبل يؤثث لنظرياتهم وأفكارهم التي تبقى، وهذا معروف، بعيدة كل البعد عن اللغة الأمازيغية شكلا ومضمونا، دون تفعيل منهج من تلقاء ما يعيشه الواقع السوسيولساني المغربي. وفي هذا الإطار قد أتفق نوعا ما مع الدكتور الفاسي الفهري في فكرة أوردها في كتابه "اللسانيات واللغة العربية" إذ يقول بالحرف الواحد “لا ضرورة ولا منطقية تفرض الرجوع إلى الفكر الماضي وتصنيفاته ومفاهيمه لمعالجة مادة معينة". وهذا بطبيعة الحال كنداء لذلك المهتم بقضايا اللغة الأمازيغية، وخاصة في بعدها اللساني ساعيا من وراء هذا إلى خلق منهج لساني علمي حداثي يساهم في عدم الخلط بين ما يسمى بوصف اللغة و قراءة التراث اللغوي الأمازيغي، دون الرجوع إلى ما اجترته بعض التوجهات اللسانية، وخاصة العربية منها التي تحمل بين طياتها سيلا إيديولوجيا لسانيا قد يغير منحى الدراسة اللسانية للغة الأمازيغية، لكي لا يبقى هذا الشق الحديث من الدراسة مسعى أخر بجانب التعريب وإقصاء الهوية والثقافة الأمازيغيتين .
أما إشكالية الخطاب فهي أيضا غير بعيدة عما قلناه حول المنهج، إلا أن الإشكالية في هذا الجانب، والتي تعترض الكثير ممن يبحث في مكامن وأسرار اللغة الأمازيغية، تبقى في عدم التعرف على مكان التموضع لهذه الدراسة بين تعدد الخطابات اللسانية ساء كانت هي بدورها غربية أو عربية. وهذا كله قد يساهم في عرقلة البحث اللساني الأمازيغي إن لم يتخصص أبناء هذه اللغة، ذوي المعرفة اللغوية بمنهج وخطاب موحد يسعى تماما إلى إعطاء نظرة شمولية وواعية تقترن بأناس غيورين على هذه اللغة. ومن أمثال هؤلاء الذين استطاعوا ولو نسبيا تجاوز هذه العرقلة رغم اعتبارهم بطبيعة الحال قلة ظهروا في السبعينيات من القرن الماضي أمثال محمد شفيق وأحمد بوكوس... حيث حاولوا تقديم البحث اللساني الأمازيغي على أسس علمية دقيقة، وقد ساهموا فعلا في تقديم البدائل لهذه اللغة كما تدل عليه أعمالهم في هذا المجال.
هذه في نظري بعض الإشكاليات الكبرى والعقبات التي من الصعب تجاوزها أو إعطاؤها حلا آنيا، وهذه العقبات كما رأينا تتعلق في شقها وجوهرها بتصور موضوع البحث والمناهج والخطابات المناسبة لمعالجته، إضافة إلى إشكاليات كثيرة لا تعد ولا تحصى يمكن أن أسميها بالاشكاليات الخارجية .
إن إحياء اللغة الأمازيغية في بعدها اللساني يستند أساسا على التحليل اللغوي الذي يجب أن ينصب على اللغة أولا وأخيرا، ثم الاشتغال على وقائع ومعطيات سوسيولسانية في اللغة الأمازيغية. هذا في نظري يشكل الخطوة الأولى والحاسمة نحو لسانيات أمازيغية منشودة، وأن العقبات التي تقف في وجه قيام منهج وخطاب لساني أمازيغي قح هو أبعاد الواقع الأمازيغي ولغته في شتى الأبحاث والدراسات .
إن التطور الحاصل في السنوات الأخيرة في الكتابات اللسانية للغة الأمازيغية، والتي تتجلى خاصة في الأبحاث الأكاديمية تبني محاولات جديدة في وصف وتفسير قضايا اللغة الأمازيغية، وليس مهما أن تكون نهائية ولكن المهم أن تفسر لنا إشكالات تتجدد، بل تساير النهوض اللساني المعاصر، باقتراحها تحاليل أكثر عمقا وشمولية تنمو بنمو النظريات اللسانية الحديثة. أما الحديث عن أفق ومستقبل اللساني الأمازيغي يتطلب منا جهدا جهيدا بغية الدخول في مرحلة جديدة يمكن لها أن تتجاوز وتتخطى التقليد والتبسيط والتطبيق الحرفي على حد سواء. والمطلوب في نظري هو مساهمة الكتابة اللسانية الأمازيغية في إغناء التنظير اللساني المغربي العام، من أجل إحداث قفزة نوعية من ما يسمى بمرحلة الاستهلاك إلى مرحلة الإنتاج اللساني إن صح القول، مما يؤدي بطبيعة الحال إلى اختيار موضوعات أمازيغية تخول لنا المشاركة الفاعلة والواعية في نفس الوقت بتنمية البحث اللساني، وذلك باضافة كل ما هو جديد في اللغة الأمازيغية إلى النظريات اللسانية العامة على حد سواء ليكون هذا سبيلا للتعريف باللغة الأمازيغية وإعطائها المكانة
اللسانية والحضارية والتاريخية اللائقة بها وطنيا ودوليا، ولم لا ؟
(أكوري محمد، طالب متخصص في اللسانيات)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق