الخميس، 14 نوفمبر 2019

ابن زيدا شهيد فن الدرست : رقصة أحواش الأمازيغية






 بقلم  : بلقاسم إدير
شعراء أحواش سوس ..
أكادير الهناء - طاطا نموذجا -
- ابن زيدا شهيد رقصة أحواش -

وأشير إلى أنّ رقصة أحواش الرّجالية عادة ما ترتبط برقصة الدّرست ؛ ذلك انّ الشّعر في الأدب الأمازيغي يرتبط أساسا بالرّقص والغناء بعكس ماكان عليه الشّعر العربي الجاهلي منه والإسلامي ، والسّبب في ذلك هو شفويّته الخالصة ، ثمّ إنّ الوسيلة الوحيدة المتاحة للمتلقّي الأمازيغي هي التّلقي بالسّمع وخاصّة بعد سيطرة اللّغة العربية الفصحى على الكتابي في الشّعر والقصّة ، والعربية الدارجة في مجالات الثّقافة العامة و في الحياة اليومية الأمازيغية وانزواء الفعل الكتابي الأمازيغي ؛ ولأنّ اللّغة العربية الفصحى منها على الخصوص ليست متاحة للجميع نظرا لصعوبة تلقينها واختزالها في لغة الإدارة والنّخبة العالمة ، من البديهي أن يكون الغناء هو أداة للتّواصل بين الأديب أوالشّاعر أو القاص الأمازيغي وبين المتلقي العادي والّذي لا يستوعب وبسهولة سوى لغته الأصلية ؛ فكانت رقصة أحواش نواة وأداة تواصل طبيعية بين المبدع والمتلقي . ويسمّى الشّاعر بالأمازيغية : " أنـْظــّامْ " أو " أمــَريرْ " أو " أمْدْيازْ وتتمّ دعوة الشّعراء إلى رقصة أحواش فرادى فرادى أو مثنى مثنى إذا كانوا خارج البلدة ، ويفترض فيهم أن يكونوا مشهورين نابغين في الميدان على صعيد سوس أو على الصّعيد المحلّي ، ولماذا يدعون مثنى أوثنائيا إذا صحّ التّعبير ؟ لأنّ الفرجة المرجوّة لن تصل إلى قمّتها إلاّ إذا كان موجودا في الرّقصة على الأقلّ شاعرين يحملان أفكارا متناقضة أو ذوي توجّهات مشاكسة . وقد يكون هذا الوجود إعتباطيا أو مصادفة ، أو إتفاقا مسبّقا . ويقف الشّعراء والمنشدون والعازفون جنبا إلى جنب دون تمييز، مشكّلين حلقة دائريّة . فتكون المواضيع التي يدور عليها جدل الشّعراء مختلفة ، قد تكون غزلا يتسابق فيها الشّعراء لتبيان محاسن فتاة ما أو إمرأة ما دون تحديدها بالإسم ، أومدحا لشخصية ما ، وهنا يميّز بالإسم كصاحب الحفل مثلا ، أوشخصيّة سياسية أو علميّة أودينية أو قد يتعلّق المدح بالشاعر نفسه أوبعائلته أوبقبيلته ، أو الهجاء إذ تكون المباراة حامية الوطيس بين شاعرين يهجو الواحد منهما الآخر ، وقد ينحاز شاعر أوشاعران إلى أحدهما في عملية مؤازرة لتشتعل الحرب الكلامية ، غالبا ما تنتهي في الهزيع الأخير من الليل بمشادّة حقيقية تستعمل فيها الخناجر أحيانا ، وقد يسقط فيها ضحايا لإي أسوإ الأحوال ، ويروي لنا التّاريخ قصصا كثيرة حول مصرع شعراء بسبب ما صرّحوا به في حلقة الدّرست بأحواش. وبالمناسبة أورد قصّة مصرع الشّاعر الطّاطاوي المشهور"مبارك بن زيدا " فقد كان عبدا لدى مال وجاه في منطقة جبلية بسوس ، وكان هذا الأخير شاعرا متمكّنا إضافة إلى مكانته الإجتماعية المحترمة . مرت سنوات تمكّن بعدها ابن زيدا من تحرير نفسه من سيّده ، وأصبح فيما بعد شاعرا أسود موهوبا يحترمه الجميع ، وكان هذا الأخير سليط اللّسان ، هجّاء لمناوئيه مدّاحا لنفسه بعبارات ينذر أن يستطيع الشّعراء الآخرون الإتيان بها أوبأمثالها في أسلوب سلس ودقيق . وكان شديد الحبّ لزوجته " عائشة " -أوبالأمازيغية "عيشا " ولأمّه زيدا واللّتان تفرضان عليه أحيانا التّباهي بهما في قصائده المرتجلة في رقصات أحواش أينما حلّ وارتحل . يقول في بعض قصائده المرتجلة : 

أداري شهود ينو غـّي ن نتالّيي يورون 

أليغ ءيتفل تاﮔلزيمت ءيفرسن غوفوس 

ءو لا سات تليماو آدور ترمي غي مالاس 

ءوراكّيتخ لخلق ءيغاسن ءوريقاما الرّوح 

أوالّي ءيلان ءيمازاين ءاسن تاوأفوس 

ءيربّامت اللاّ عيش أتنيت الحقّ 

ءا كولّو تحاضرت ءيغاكم إيتّرم السّيوال 

أيان ْسبيد ربّي هان يان ءورّات ءيلوح 

وترجمتها بالعربية : 

لديّ هنا شهود من أمّي الّتي ولدتني 

عندما رحلت وتركت في يدي فأسا حادّة 

وسبع مبارد حتّى أبقيها حادّة لسبعة أيّام 

لا أنازل عديمي التّجربة بالقتال ، ولا أجهز على الضّحيّة 

بينما يدي تظل ّ طويلة حتّى تطال الأقوى .. 

مهلا سيدتي عائشة ، أرجوك قولي الحقيقة 

وأن تكوني بكل قواك العقلية حين تحتضرين ووقت السّؤال 

أليس من كان اللّه بجانبه لا أحد يستطيع أن ينال منه ؟ 

وفي حفلة دعي لها الشّاعر في منطقة تسمّى" النّيحيت" بجبال تارودانت (18) في سوس تقابل مبارك بن زيدا بسيّده كما لو أنّ ذلك مدبّرا له ، ولم يكن من سيّده إلاّ أن فاجأه بقوله : 



ءيربّا امبارك نرا داك نيني يان واوال 

اك نساقسا غ وانفور دارك ماني كولّو كان 

نكّ أوراك نعجّيب إيسكا نكّ ساولخ 



وبالعربية : 

باللّه عليك يا مبارك أريد أن أطرح عليك سؤالا : 

اين ذهبت شفتاك الّتي تشبه شفتا جمل ؟ 

لست أتعجّب من خلق الله ، وإنّما للإستفسار فقط 



ويأتي ردّ مبارك بن زيدا : 



ءيسّان ْيزد الوحيد ء انتوتم سوقمليل 

ءاحّا ميشك ءايسبيضير واليكن يورون 

ءور جون دنكين ءاداكت ءينّان ءولا ريخ 



وبالعربية 

إعلم جيّدا أنّك تدخّلت في شأن من شؤون الله المبدع لكلّ شيء . 

فمدى عمره كان أبوك كسيحا . 

فلم أستفسرك يوما عن ذلك ولم أشأ . 



وكانت واقعة دعوة القائد العربي لشعراء كثيرين لحفلة من حفلات أحواش ، واقعة مشهورة كان بطلاها أبن زيدا وسيّده ؛ وترتب عنها فيما بعد وفي منطقة "النّيحيت " الجبلية مصرع الشّاعر مبارك بن زيدا في مشهد كارثي يذكّرنا ببعض مظاهر الحياة العربية في الجاهلية ؛ حيث تقابل إبن زيدا بسيّده فانهال السيّد على عبده بعبارات من القدح والتّهجّم عليه متنقّلا من وصف إلى وصف مزهوّا على ابن زيدا كونه لم يكن إلاّ عبده السّابق الأسود المنحدر من أسرة لا أمجاد لها ؛ وكان ردّ ابن زيدا قويّا نورده ونورد ترجمته كما يلي : 



هَـانْ الْـقـأيْـد الـْعـْرْبي ء ادانْـخ إنـّانْ رْواحاتْ 

إغـْرَسْ إبـيبـي يـُوﮔـْرْنْ ء افـونـاسْ نـّـُونْ 

تـَﮔـَلا ّنـْكْ إيـخـْلـْضْنْ د يـرْكـانْ لـِّيي تكـّاتْ 

غـَسّـادْ إغـْنـأيـاخْ رْبّي فـْكـاتـْنـْتْ ءيواسيفْ 



وبالعربية : 

لتعلم أنّ القائد "الْعْرْبي" هو من ألحّ علينا بالحضور 

حيث ذبح لنا ديكا روميا هو أكبر حقا من أيّما بقرة من أبقارك 

عصيدتك الّتي تقدّمها لنا ملوثة بأوساخك العفنة 

الآن أغناني الله عنها، الأحسن لك أن ترمي بها للوادي .. 



ولم يمرّ على ذلك غير قليل حتّى كانت واقعة " النيحيت " فقد كان من عادة أهل سوس في الجبال النّائية قبل أن تبدأ رقصة أحواش ، أن يرسل صاحب الحفل إلى أسايْسْ ( مكان الرّقص ) مشروب القهوة ، حيث يقوم أحد أهل الحفل بتفريق الكؤوس على الواقفين في رقصة أحواش ، وكان من نصيب إبن زيدا الكأس الوحيدة المسمومة . ولم يكن من شكّ أنّ ذلك كان متعمّدا . وقيل أنّ ابن زيدا شعر بالسّمّ قبل أن تنتهي رقصة أحواش هذه ، فتنبّأ أمام الحضور بموته المحتوم بعد ساعات دون أن يتّهم أحدا : 



مدن شاهدات ءيسنضر غ واكال ن النّيحيت 

ءينتاسن ءيعيشا هان والّيكنت ءيلان 

ءوتنت ءيد وارربّي غ ءيخف ءوراسّول نكرن 

ءانيت ءيزري غسّاد نغ تاك ءوريكميل 

ءاداخ ءيستر ربّي الدّنيا راكّنت نفـّوغ 



وبالعربيّة : 

أيّها النّاس كونوا شهودا أنّي سقطت مغدورا في أرض" النّيحيت " 

قولوا لزوجتي عائشة إنّ زوجك ، 

أصابه أعداء اللّه هذه المرة في مقتل ، ولن تقوم له قائمة أبدا . 

فقد يعيش ليوم واحد ، وقد لا يستطيع 

أرى الرّحيل عن الدّنيا وشيكا ، فاسترني ياربّ . 



وقد مات ابن زيدا بعد ذلك ، وقيل أنّه دفن في مقبرة سيدي محند أو حماد قرب أﮔادير الهناء في طاطا .... 

و بعد ذلك سرت هناك عادة بين شعراء أحواش في سوس ، وهي عدم تناول أيّة وجبة أو أيّ طعام أوشراب في جميع الحفلات الّتي يحضرونها مخافة ان يسمّموا (19)... 

و أسرد هنا بعضا من الشّعراء( أعني شعراء أحواش) المشهورين في سوس بعد ابن زيدا " إحيا " و" أجمّاع " و " أحمد عصيد "(20) وعثمان أزوليض . بينما في منطقة طاطا نذكر " المحجوب " من دوار أديس و" المحجوب " من دوار أﮔﺟﮔال والمحجوب أوتوزنين .أمّا في أﮔادير الهناء فهناك العديد من الشّعراء نّذكر منهم " الحنفي بوسلام " و "أوبلاّ ابراهيم " و "الرّاغب احمد " والحسين أكرّام " و " المحمدي محمّد " والعديد من الشّعراء الشّباب لا يسع هذا البياض لذكرهم ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق