الخميس، 11 أبريل 2013

المشهد الثّقافي اليومي لطاطا أكادير الهناء - نموذجا




الثقافة الأمازيغية بمنطقة " وولت" طاطا نموذجا
تعريف متقدّم للثقافة الشّعبية :

يورد الباحث رشيد حاحي في كتابه " الأمازيغية والسّلطة " مفهوما جديدا وشاملا للثقافة سننقله لأهمّيته كما تصوّره الباحث– ونجاريه نحن في ذلك - وهو كما يلي : لقد طرأ تغيير هامّ على مفهوم الثّقافة منذ منتصف القرن الماضي ، حيث كانت دلالاتها من قبل تقتصرعلى جانبها العالِم المتعلّق بمجال المعرفة المدرسية و الأكاديمية والإنتاجات الفكريّة والجمالية الّتي تكون موضوع تنظير وتداول ونقد حسب شروط مؤسّساتية معيّنة . ومن المعلوم أنّ هذا التّصوّر والتّحديد لم يكونا يسريان إلاّ على الثّقافة العالِمة الكتابية والأعمال الفنّية الأكاديمية الّتي تحظى بقيمة معرفيّة وجمالية حسب معايير مؤسّساتية وطيدة الصّلة بمرجعيّة نخبويّة وسلطويّة . وبتطوّر العلوم الإنسانية وعلوم الإجتماع و الأنتربولوجية بشكل خاص ، تغيّر مفهوم الثّقافة وتوسّع ليشمل كلّ ما يتعلّق بالإنسان وبمحيطه المتعدّد ، ويدلّ على مختلف الممارسات والتّعابير المادّية والرّمزية الّتي يعبّر من خلالها مجتمع أو جماعة بشريّة معيّنة عن وجودها الثّقافي والإجتماعي . وبذلك إنضاف الأنتربولوجي للثّقافة وصارت تشمل الإنتاج الشّفاهي والتّعابير والصّناعات الشّعبية وأنماط العيش وطقوس الإحتفاء وشعائر الموتى ؛ وكلّ ما يتّصل بتعابير المتخيّل والحياة الرّمزية للكائن الإنساني ونظرته للحياة وللكون من حوله...../ (1)


من هذا المنطلق يتبيّن مدى أهمّية الفائض الضّخم الّذي سينضاف إلى الثقافة الإنسانية والمعارف المكتسبة لو أتيح للباحثين- تشجيعا وتحفيزا – دراسة جميع التّعابيرالمادية والرّمزية للموروث الإنساني الثّقافي : عاداته وتقاليده وآدابه الشّفاهية وفولكلوره الغنائي بما فيه خلفياته من تعابير صوتية وجسدية وطقوس موازية ، كان للأسف يُنظر إليها بدونية واستهانة ويعبّر عنها سابقا بثقافة الهامش والأساطير الوثنية ؛ وضدّا على ازدواجية المعايير والتفاضل والتّهميش وبمقاييس كونية يحقّ لكل الشّعوب والأعراق والأقلّيات أن تبحث لموروثها الثّقافي عن مكان مشرّف لها تحث شّمس الأدب الإنساني الكوني بكل عنفوان وثقة ودون أدنى مركّب نقص ؛ فلم يعد للمعايير المبتسرة مقام في ثقافة إنسانية كونية تتغيّا إغناء الثقافة الإنسانية وتغذّي حوار الحضارات بين الأمم جميعها وتحتفي بكلّ ما يزيد الجوانب الخفيّة في الإنسان إضاءة وإشعاعا وهو ما يستدعي مراجعة النّخبة المثقّفة والأكاديميين وأجهزة الوصاية الثّقافية الرّسمية منها والجمعوية ، لمواقفها من الثّقافة الوطنية وتوسيعها لتشمل المخزون المعرفي لكل الأعراق والأقلّيات المؤطّرة للهوّية السّيادية ... وحين يتحقّق حلم الإدماج الكلّي للثّقافات المهمّشة بدعوى دونيّتها ؛ يدرك الإنسان حينذاك كم فوّت على نفسه منذ زمان بعيد ، تحقيق حوار حضارات جدّي تذوب فيه كلّ العناصر المكوّنة للمجتمع الإنساني ؛ ومن ثمّ يتشكّل الأدب الكوني الصّافي ،أدب دون خريطة أدب دون هويّة وحتّى أدب دون وطن ، فقط وطن واحد : العالم الإنسانيّ ...


عندما اخترنا البحث في الموروث الثّقافي الشّعبي لمنطقة طاطا في إقليم سوس الأمازيغي ( 2) كنّا مدركين لصعوبة المهمّة وللعراقيل الّتي ستواجهنا ونحن نبحث في موروث ثقافيّ ضخم غير مدوّن كتابة (3)، إذا استثنينا بعض الأبحاث الأدبية – وهي ناذرة جدّا – و بعض الشّذرات التّاريخية المتعلّقة بالوجود العربي الإسلامي ، مختزلة في بعض المخطوطات ذات المضامين الفقهيّة وسيرالأولياء وشيوخ الزّوايا وتاريخ بعض المدارس القرآنية ، وهي لن تغني بحثنا شيئا . ويؤكّد الباحث محمد أوفقيرهذه الظّاهرة بقوله : إن معظم الكتابات التي تناولت الأدب الأمازيغي بالمغرب - وهي - قليلة تكتفي بالأدب الأمازيغي الشفهي، ويغيب عنها الأدب المكتوب، فإذا تجاوزنا بعض المحاولات الجزئية التي تظهر بين الفينة والأخرى إما في شكل مداخلات أو مقالات في الجرائد والمجلات ، والملتقيات الأدبية والعلمية، وإما في شكل تقديم الأعمال الإبداعية في الندوات ، فإننا لم نعثر لحد الآن على دراسة متكاملة لهذا الأدب في صورته المكتوبة(4) .فأغلب البحوث والدّراسات الأمازيغية تعتمد الشّفاهي كمصدر وحيد وأوحد للمعلومة وتمتح منه...
لذا كان من الطّبيعي أن أعتمد على ذاكرتي الخاصّة كفاعل وكشاهد عيان مضيفا إلى ذلك مخزونا إستوعبته من تجربة سماعيا لروايات شفاهية ممّا يدفع هذه الدّراسة قدما نحو أفاق واسعة تمتح وتغّذي البحث من منابعه الأصلية دون روتوشات ودون أكسسوارات زائدة ، لهذا اخترت مرحلة زمنية محدّدة هي العقدين : سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ؛ وهي فترة وعيي التّام بالمشهد الثقافي لمنطقتي طاطا وتفاعلي معه وانصهاري في طقوسه المحلّية المختلفة . ثمّ يأتي السّبب الأكثر أهمّية هو التّحوّل الّذي شهدته المنطقة أواخر الثّمانينات حيث ربطت بالشّبكة الوطنية للكهرباء وشبكة الطّرق المعبّدة وما تلا ذلك من تدفق الوسائل السّمعيّة البصريّة ومظاهر التّمدّن الّتي اعتبرناها –في حينها ، وهوما تحقّق بعد 20 عاما من ذلك التّاريخ- كارثية على الموروث الثّقافي المحلّي والّذي احتفظ بخصوصيّات غارقة في القدم ..
وستأختصر البحث في عناوين كبيرة معدودة مذيّلة بعناوين صغيرة ، غايتي إلقاء الضّوء في جزئين منفصلين على كلّ تفاصيل المشهد الثّقافي اليومي لساكنة طاطا واعتمدت على دوّار أﮔاديرالهناء(5) كنموذج لكونه يضمّ أعلى نسبة كثافة سكّانية وبالتّالي التّشابه الكبير في أغلب المظاهرالثّقافية بينه وبين أغلب الدّواوير(6) المؤلِّفة لمنطقة طاطا ، وحتّى قربُ الدّواوير بعضها من بعض وأمازيغيّتها الصّرفة تجعلها لحمة واحدة مشكِّلة مجتمعا كبيرا بثقافة واحدة ومشتركة ؛ ولا يفوتني طبعا أن أذكّر ببعض الدّواويرالّتي يسكنها أغلبية عرب الصّحراء من أولاد جلال وأولاد بلال (7) وبالرّغم من خصوصيّاتها الثّقافية إلاّ أنّها لا تشكّل فاعلا حقيقيا في التّاثير على المحيط الأمازيغي العريض بل وهي تحت التّأثير القويّ لهذا المحيط الطّاغي إن لم أقل أنّها ذابت أوتكاد في المشهد الثقافي الأمازيغي . ولعلّي بهذا البحث المتواضع أجعل القارئ العربي أمام تفاصيل ثقافة شعبية غنيّة بالممتع والغريب والمدّهش ...
وتندرج تحت مظلّة الموروث الشّفاهي عدّة أشكال سنورد ونفصّل كلّ شكل على حدة
ويمثل ا المشهد الثقافي كلّ أشكال التّعابير المؤسّسة على أنماط معيّنة تختار زمنا ً ومكانا معيّنين لها ، دون المباشر التّواصلي : كالكلام العادي الذي يستعمل اللّغة والإشارة لقضاء أغراض الحياة اليوميّة للنّاس...

- الشّفاهي الغنائي الرّقصي 

يقول الباحث الجامعي الأستاذ محمد أوفقير : لابد من الاقرار منذ البداية أن الرقص الامازيغي بالمغرب ، لاينفصل عن مختلف أشكال التعبير الفنية الجماعية داخل الثقافة الشعبية المحلية ، خاصة الشعر والغناء والموسيقى/ الايقاع، وهو موغل في القدم ، وغني في أشكاله الاحتفالية ونماذجه الاستعراضية، ومشبع برموز و دلالات جد معقدة ، تتجاوز ما هو اجتماعي ونفسي ونفعي إلى الارتباط بالعالم الروحي والطقوسي والسحري ...(8)
وهذا التّالوث التّقليدي الإحتفالي : الشّعروالغناء والإيقاع أوالعزف هوبناء جماعي
يُعني به مجموعة أنساق شعريّة تؤدّى جماعة إيقاعا ورقصا وغناء، يبدأ الشّعر يليه الإنشاد والغناء ثمّ الرّقص تذوب وتنصهر جميعها فترة معيّنة ثمّ يقف الشعر والإنشاد فيبقى الرّقص والعزف إلى آخر نفس من أنفاس هذا المهرجان في مرحلة من مراحله الّتي ما تنتهي واحدة حتّى يتجدد أوار أخرى . ويندرج تحت هذا النّوع من الشّفاهي الرّقصي، ما يعرف بفنّ أحـْواشْ أو أﮔـْوّال(9) ْ كما يسمّى في أﮔادير الهناء وتكون الجماعة رجالية أو نسائية أو مختلطة دون أن يعني الإختلاط : كماهو الشّأن في فنّ أحيدوس وبعض أنواع من أحواش في بعض المناطق ك " تافراوت وإيمي نتانوت(10) في الأطلسين المغربيين المتوسّط والكبير(11) ، و قد خصّصت هذا البحث للنّوع الغير المختلط والّذي يؤدّى في منطقة طاطا ونواحيها و سنأتي على تفاصيله لاحقا .وهناك انواع أخرى من أحواش بتسميات أخرى ك " أهنقار " وأجماك " خارج نطاق دراستنا هذه..
يطلق لفظ "أحواش على الرقص الشعبي الامازيغي الاصيل الذي ينتشر بالجنوب المغربي في الاطلسين الكبير والصغير وسوس ، من مراكش الى تخوم الصحراء، ويشمل سلسلة من الرقصات وأشكال من الايقاع والانشاد المتجذرة في تقاليد المجتمع الامازيغي التقليدي والتي تقترن لزوما باحتفالات القبيلة في المناسبات الاجتماعية والدينية والوطنية .. (12)

ومن هذا النّوع الشّفاهي : ( أحواش) ، يتفرّع فنين ، لكلّ فن أنساقه الوزنية وإيقاعاته الخاصّة وطريقة آدائه المتميّزة عن الآخر ؛ ونورد النّمطين على التّوالي : فن أحواش الدّرست(13) –– فنّ أحواش إﺳﻣﮝان(14) ( الكاف تنطق جيما مصريّة ).

لا يمكن التّحدّث عن رقصة أحواش في جهة سوس المغربية ونواحيها كنمط معيّن من أنماط التّعبير الشّفوي الغنائي الأمازيغي ، إلاّ من حيث كونه فنـاّ توحّده العناصر الخمسة التي سيجئ ذكرها وهو الشعر( ويسمّى الشّعر بالأمازيغية : أَمارْﮜ ْ) والعزف والرقص والجمهور ثمّ الزّمان والمكان . بيد أنها ( رقصة أحواش ) تختلف من منطقة إلى أخرى في جزئيات تُختزل في أنماط عيش السّكّان وعاداتهم وتقاليدهم ؛ ويمكن أن أذكر بعض أنواع هذه الرّقصات دون الدّخول في التّفاصيل : أحواش إيمي نتانوت وأحواش إجوكاك ، أحواش تيسينت ، أحواش تاﮔموت وإيسافن ، أحواش طاطا ، أحواش وارزازات، أحواش زاﮔورة ، أحواش الميزان بهوارة وأولاد برحيل ، أحواش تافراوت ، أحواش أيت باعمران وغيرها(15) ..كلّ هذه الأنواع تدخل في إطار رقصة أحواش الغنائية الأمازيغية بمعناه العام رغم اختلافات لا تطال الجوهر...
ويعتبر فن أحواش شكلا تعبيريا يمزج بين القول الشّعري والغناء والرّقص ، ويأتي في الدّرجة الأولى في قائمة الأشكال الفولكلورية (16) الّتي يعبّر فيها أمازيغ سوس عن أفراحهم في المناسبات وفي غير المناسبات و عن رؤاهم الإقتصادية والإجتماعية والسّياسية في شطره التّعبيري الشّعري .ورقصة أحواش في كلّ مناطق سوس تتجلّى في مشهدين إثنين : أحواش الرّجالي حيث يكون الشّعراء أو إنـْظّامـْنْ والمنشدون والعازفون رجالا بدون استثناء ، بينما يُسمح للنّساء أن يكنّ ضمن الجمهور والحضور . وأحواش النّسائي(17) حيث المنشدون هم النّساء( وفي بعض الحالات يكن ّشاعرات) والفتيات والشّعراء والعازفون غالبا رجال والجمهور خليط الرّجال والنّساء ( إذا استثنينا دوار أكادير الهناء وبعض مناطق طاطا ذات التّقاليد المحافظة المتشدّدة حيث يحظر حضور الرّجال في رقصات النّساء) .
وتتشكلّ لوحة رقصة أحواش الرّجالي ،من خمسة مشاهد أساسية :


1 – الشّعراء :


وأشير إلى أنّ رقصة أحواش الرّجالية عادة ما ترتبط برقصة الدّرست ؛ ذلك انّ الشّعر في الأدب الأمازيغي يرتبط أساسا بالرّقص والغناء بعكس ماكان عليه الشّعر العربي الجاهلي منه والإسلامي ، والسّبب في ذلك هو شفويّته الخالصة ، ثمّ الظّروف المتاحة للمتلقّي الأمازيغي وهي التّلقي بالسّمع وخاصّة بعد سيطرة اللّغة العربية على الكتابي في الشّعر والقصّة في مجالات الثّقافة في الحياة الأمازيغية وانزواء الفعل الكتابي الأمازيغي ؛ ولأنّ اللّغة العربية ليس متاحة للجميع نظرا لصعوبة تلقينها واختزالها في لغة الإدارة والنّخبة العالمة ، يكون من الضّروري استحداث أداة للتّواصل بين الأديب أوالشّاعر أو القاص الأمازيغي وبين المتلقي العادي والّذي لا يستوعب وبسهولة سوى لغته الأصلية ؛ فكانت رقصة أحواش نواة وأداة تواصل طبيعية بين المبدع والمتلقي . ويسمّى الشّاعر بالأمازيغية : " أنـْظــّامْ " أو " أمــَريرْ " أو " أمْدْيازْ ويتمّ دعوة الشّعراء إلى رقصة أحواش فرادى فرادى أو مثنى مثنى إذا كانوا خارج البلدة ، ويفترض فيهم أن يكونوا مشهورين على صعيد سوس أو على الصّعيد المحلّي ، ولماذا يدعون مثنى أوثنائيا إذا صحّ التّعبير ؟ لأنّ الفرجة المرجوّة لن تصل إلى قمّتها إلاّ إذا كان موجودا في الرّقصة على الأقلّ شاعرين يحملان أفكارا متناقضة أو ذوي توجّهات مشاكسة . وقد يكون هذا الوجود إعتباطيا أو مصادفة ، أو إتفاقا مسبّقا . ويقف الشّعراء والمنشدون والعازفون جنبا إلى جنب دون تمييز، مشكّلين حلقة دائريّة . فتكون المواضيع التي يدور عليها جدل الشّعراء مختلفة ، قد تكون غزلا يتسابق فيها الشّعراء لتبيان محاسن فتاة ما أو إمرأة ما ، أومدحا لشخصية ما كصاحب الحفل أوشخصيّة سياسية أو علميّة أودينية أو قد يتعلّق المدح به أوبعائلته أوبقبيلته ، وقد تكون المباراة حامية الوطيس بين شاعرين يهجو الواحد منهما الآخر ، وقد ينحاز شاعر أوشاعران إلى أحدهما في عملية مؤازرة لتشتعل الحرب الكلامية ، وقد تنتهي في الهزيع الأخير من الليل بمشادّة حقيقية تستعمل فيها الخناجر، وقد يسقط فيها ضحايا ، ويروي لنا التّاريخ قصصا كثيرة حول مصرع شعراء بسبب ما صرّحوا به في حلقة الدّرست بأحواش. وبالمناسبة أورد قصّة مصرع الشّاعر الطّاطاوي المشهور"مبارك بن زيدا " فقد كان عبدا لذي مال وجاه في منطقة جبلية بسوس ، وكان هذا الأخير شاعرا متمكّنا إضافة إلى مكانته الإجتماعية المحترمة . مرت سنوات تمكّن بعدها ابن زيدا من تحرير نفسه من سيّده ، وأصبح فيما بعد شاعرا أسودا موهوبا يحترمه الجميع ، وكان هذا الأخير سليط اللّسان ، هجّاء لمناوئيه مدّاحا لنفسه بعبارات ينذر أن يستطيع الشّعراء الآخرون الإتيان بها أوبأمثالها في أسلوب سلس ودقيق . وكان شديد الحبّ لزوجته ولأمّه اللّتين تحملان نفس الإسم " عائشة " -أوبالأمازيغية "عيشا " يفرضان عليه أحيانا التّباهي بها في قصائده المرتجلة في رقصات أحواش أينما حلّ وارتحل . يقول في بعض قصائده المرتجلة :


أداري شهود ينو غـّي ن نتالّيي يورون


أليغ ءيتفل تاﮔلزيمت ءيفرسن غوفوس

ءو لا سات تليماو آدور ترمي غي مالاس

ءوراكّيتخ لخلق ءيغاسن ءوريقاما الرّوح

أوالّي ءيلان ءيمازاين ءاسن تاوأفوس

ءيربّامت اللاّ عيش أتنيت الحقّ

ءا كولّو تحاضرت ءيغاكم إيتّرم السّيوال

أيان ْسبيد ربّي هان يان ءورّات ءيلوح

وترجمتها بالعربية :

لديّ هنا شهود من أمّي الّتي ولدتني

عندما رحلت وتركت في يدي فأسا حادّة

وسبع مبارد حتّى أبقيها حادّة لسبعة أيّام

لا أنازل عديمي التّجربة بالقتال ، ولا أجهز على الضّحيّة

بينما يدي تظل ّ طويلة حتّى تطال الأقوى ..

مهلا سيدتي عائشة ، أرجوك قولي الحقيقة

وأن تكوني بكل قواك العقلية حين تحتضرين ووقت السّؤال

أليس من كان اللّه بجانبه لا أحد يستطيع أن ينال منه ؟

وفي حفلة دعي لها الشّاعر في منطقة تسمّى" النّيحيت" بجبال تارودانت (18) في سوس تقابل مبارك بن زيدا بسيّده كما لو أنّ ذلك مدبّرا له ، ولم يكن من سيّده إلاّ أن فاجأه بقوله :

ءيربّا امبارك نرا داك نيني يان واوال


اك نساقسا غ وانفور دارك ماني كولّو كان


نكّ أوراك نعجّيب إيسكا نكّ ساولخ


وبالعربية :


باللّه عليك يا مبارك أريد أن أطرح عليك سؤالا :


اين ذهبت شفتاك الّتي تشبه شفتا جمل ؟


لست أتعجّب من خلق الله ، وإنّما للإستفسار فقط


ويأتي ردّ مبارك بن زيدا :


ءيسّان ْيزد الوحيد ء انتوتم سوقمليل


ءاحّا ميشك ءايسبيضير واليكن يورون


ءور جون دنكين ءاداكت ءينّان ءولا ريخ


وبالعربية


إعلم جيّدا أنّك تدخّلت في شأن من شؤون الله المبدع لكلّ شيء .


فمدى عمره كان أبوك كسيحا .


فلم أستفسرك يوما عن ذلك ولم أشأ .

وكانت واقعة دعوة القائد العربي لشعراء كثيرين لحفلة من حفلات أحواش ، واقعة مشهورة كان بطلاها أبن زيدا وسيّده ؛ وترتب عنها فيما بعد وفي منطقة "النّيحيت " الجبلية مصرع الشّاعر مبارك بن زيدا في مشهد كارثي يذكّرنا ببعض مظاهر الحياة العربية في الجاهلية ؛ حيث تقابل إبن زيدا بسيّده فانهال السيّد على عبده بعبارات من القدح والتّهجّم عليه متنقّلا من وصف إلى وصف مزهوّا على ابن زيدا كونه لم يكن إلاّ عبده السّابق الأسود المنحدر من أسرة لا أمجاد لها ؛ وكان ردّ ابن زيدا قويّا نورده ونورد ترجمته كما يلي :


هَـانْ الْـقـأيْـد الـْعـْرْبي ء ادانْـخ إنـّانْ رْواحاتْ


إغـْرَسْ إبـيبـي يـُوﮔـْرْنْ ء افـونـاسْ نـّـُونْ


تـَﮔـَلا ّنـْكْ إيـخـْلـْضْنْ د يـرْكـانْ لـِّيي تكـّاتْ


غـَسّـادْ إغـْنـأيـاخْ رْبّي فـْكـاتـْنـْتْ ءيواسيفْ


وبالعربية :


لتعلم أنّ القائد "الْعْرْبي" هو من ألحّ علينا بالحضور


فذبح لنا ديكا روميا هو أكبر حقا من بقرة من أبقارك


عصيدتك الّتي تقدّمها لنا ملوثة بأوساخك العفنة


الآن أغناني الله عنها، الأحسن لك أن ترمي بها للوادي ..


ولم يمرّ على ذلك غير قليل حتّى كانت واقعة " النيحيت " فقد كان من عادة أهل سوس في الجبال النّائية قبل أن تبدأ رقصة أحواش ، أن يرسل صاحب الحفل إلى أسايْسْ ( مكان الرّقص ) مشروب القهوة ، حيث يقوم أحد أهل الحفل بتفريق الكؤوس على الواقفين في رقصة أحواش ، وكان من نصيب إبن زيدا الكأس الوحيدة المسمومة . ولم يكن من شكّ أنّ ذلك كان متعمّدا . وقيل أنّ ابن زيدا شعر بالسّمّ قبل أن تنتهي رقصة أحواش هذه ، فتنبّأ أمام الحضور بموته المحتوم بعد ساعات دون أن يتّهم أحدا :


مدن شاهدات ءيسنضر غ واكال ن النّيحيت


ءينتاسن ءيعيشا هان والّيكنت ءيران


ءوتنت ءيد وارربّي غ ءيخف ءوراسّول نكرن


ءانيت ءيزري غسّاد نغ تاك ءوريكميل


ءاداخ ءيستر ربّي الدّنيا راكّنت نفـّوغ


وبالعربيّة :


أيّها النّاس كونوا شهودا أنّي سقطت مغدورا في أرض" النّيحيت "


قولوا لزوجتي عائشة إنّ زوجك ،


أصابه أعداء اللّه هذه المرة في مقتل ، ولن تقوم له قائمة أبدا .


فقد يعيش ليوم واحد ، وقد لا يستطيع


أرى الرّحيل عن الدّنيا وشيكا ، فاسترني ياربّ .


وقد مات ابن زيدا بعد ذلك ، وقيل أنّه دفن في مقبرة في دوار أﮔﺟﮕال قرب أﮔادير الهناء في طاطا ....


و بعد ذلك سرت هناك عادة بين شعراء أحواش في سوس ، وهي عدم تناول أيّة وجبة أو أيّ طعام أوشراب في جميع الحفلات الّتي يحضرونها مخافة ان يسمّموا (19)...
و أسرد هنا بعضا من الشّعراء( أعني شعراء أحواش) المشهورين في سوس بعد ابن زيدا " إحيا " و" أجمّاع " و " أحمد عصيد "(20) وعثمان أزوليض . بينما في منطقة طاطا نذكر " المحجوب " من دوار أديس و" المحجوب " من دوار أﮔﺟﮔال والمحجوب أوتوزنين .أمّا في أﮔادير الهناء فهناك العديد من الشّعراء نّذكر منهم " الحنفي بوسلام " و "أوبلاّ ابراهيم " و "الرّاغب احمد " والحسين أكرّام " و " المحمدي محمّد " والعديد من الشّعراء الشّباب لا يسع هذا البياض لذكرهم ...


2- العازفون :


تتشكّل رقصة أحواش ( الدّرست) من حلقة دائرية من شعراء وعازفين ومنشدين . حين يلقي الشّاعر قصيدته ، يتلقّفها المنشدون والعازفون بشكل تناوبي ثنائي ؛ تنقسم الحلقة الدّائرية إلى قسمين يتناوبان في ترديد الشّطر الأخير من القصيدة من ثلاث مرّات إلى أكثر من ذلك ، ثمّ يعلن رئيس العازفين ابتداء الرّقصة وهو الّذي عليه أن يعلن نهايتها بعد نصف ساعة من الرّقص المنظم ، والّذي تسري قوانينه على كلّ المشكّلين للحلقة .. والعازفون هم من يتوسّط الشّكل الدّائري للحلقة وهم من يضبطون إيقاع الرقص بأدوات تقليدية مصنوعة محلّيا . هذه الأدوات هي الدّفوف والطّبل والنّاقوس أوتيقـْرْقـَوينْ ، وحاملي الدّفوف يختارون بعناية وهم من محترفي الإيقاع ؛ وعدد ضابطي الإيقاع بالدّفوف الّذين يجب وجودهم في الحلقة حتّى يكون الإيقاع جيّدا : من خمسة عازفين فما فوق يرأسهم واحد من خيرتهم يوعز إليه مهمّة ضبط سير الرّقصة ، ويتميّز الدّف الّذي يحمله بخصوصيّة صوتية تميّزه عن الدّفوف الأخرى فيعلن البداية برفع دفـّه في الهواء متزامنا مع نقر قويّ رقيق ومتميّز ، وخلال الرّقص والغناء الّذي يتميّز بمراحل معيّنة ، تتمايل فيه الأجساد بشكل إنسيابي أخّاد وصفه باحث أمريكي ب : تمايل السّنابل؛ يكون على الرّئيس أن يحدّد البدايات والنّهايات لهذه المراحل بضربات على الدّف ، بحيث تكون الضّربة لدخول المرحلة الأولى غير الضّربة المعلنة عن دخول المرحلة الثّانية ونفس الشّيء لضربة النّهايات وهكذا دواليك حتى تنتهي الرّقصة بضربة نهائية متميّزة كذلك ، لتعلن استراحة الأجساد المرهقة والحناجر المبحوحة إلى حين ، ثمّ يتجدّد في الرّقصة التّالية . أمّا حامل الطّبل فهويقف أويتحرّك موازيا لرئيس الرّقصة داخل الدّائرة ،غير بعيد عنه إلاّ بمترين أوثلاثة ؛ ويلازم هذه المسافة مع تحرّك أوتوقف الجميع إمّا يسارا أو يمينا ؛ ويشترط في الطّبل أن يكون ذا صوت مفخم ونبر قويّ حتّى لا يختفي نقره ألّذي يجب أن يكون ظاهرا وطاغيا ، وإن كانت الدّفوف تصنع محلّيا من جلود الشّياه والأكباش فإنّ الطّبول تصنع من جلد العجول والأبقار بإطار حديديّ عادة مايختار من براميل البترول ؛ ولثقل وزنه الذي قد يفوق 12 كيلوغراما على أقلّ تقدير ، فإنّ حامله يشترط فيه أن يكون قويّا وطويل القامة إضافة إلى خبرته في النقر عليه بقطعتين خشبيّتين بطول نصف متر للواحدة معقوفتين في حافة من حافتيهما ؛ والخبير في النّقر على الطّبل هومن يستطيع أن يأتي بحركات بهلوانية قفزا وركضا ودورانا دون أن يفقد إيقاع الرّقصة أثناء العزف الجماعي . أمّا الدّفوف الخاصّة بأحواش ، فهي دفوف صغيرة مقارنة مع مانراه في بعض أشكال الرّقص الشّعبي في مناطق الأطلس المتوسّط وتحديدا الدّفوف المستعملة في رقصة أحيدوس ؛ و في بعض أشكال الفنّ الشّعبي في العالم العربي عموما وفي الخليج خصوصا ؛ فقطرها قد لا يتجاوز 40 سم على أعلى تقدير؛ أمّا النّاقوس فهو قطعة حديدية عادة ما تختار من الأطر الحديدية لعجلات السيّارات المهملة ، وتتكوّن رقصة أحواش من ثلاث مراحل عزفية حيث يبتدئ العزف ثقيلا قد يستغرق 5 دقائق ثمّ تليه مرحلة أخرى سريعة الإيقاع قد تستغرق 10 دقائق ثمّ المرحلة الأسرع وهي الأخيرة بمثل توقيت السّابقتين أوأقلّ منهما. فخلال المرحلتين الأوليين يعزف العازفون ويرقص المنشدون على إيقاع اللحن الّذي اختاره الشّاعر ، مردّدين الشطر الأخير من قصيدته الّتي تلاها على الحضور ، لكن في المرحلة الأخيرة والسّريعة الإيقاع من الرّقصة ، يحقّ للمنشدين والعازفين على السّواء أن يختاروا لحنا وكلمات تساير الإيقاع وهو في مراحله القصوى ، حيث تتمايل الأجساد يمينا وشمالا . وترهق وتعرق اجساد الجميع بمافي ذلك المنشدون والشّعراء والعازفون بشكل سريع وهستيري يسبق مرحلة قصيرة يكون الصّمت فيها سيد الموقف ثمّ يعطي رئيس الرّقصة إشارة التّوقّف الفجائي بضربة على دفه رافعا له إلى الأعلى . وخلال توقّف الرّقصة الّتي تتألف من جولات عديدة ؛ يستعدّ العازفون من خلا ل تجديد إيقاع الدّفوف بتسخينها فوق النّار لتشديد جلدها وخاصّة إذا إذا كان الجوّ باردا . أمّا إذا كانت الرّقصة نهار فتوضع الدّفوف تحت أشعّة الشّمس .


3- المنشدون :


في المناسبات الأكثر أهمّية ، على العناصر الثّلاثة الشّعراء : المنشدون والعازفون ارتداء زيّ مميّز ، وعادة ما يكون قميصا فضفاضا بلون أبيض كامل أو أزرق – ويسمّى بالأمازيغيّة تَقـْـشـّابـْتْ - أوجلاّبة بيضاء - وفي بعض المناطق وخاصّة شمال سوس يلبسون الرّاقصون "تشامير " و" الشّـقـّة " والعمامة ويعلّقون خنجرا على اليسار ويسمّى بالأمازيغية : الكُـمِّـيْتْ: ومحفظة جلدية تسمّى " أقـْرابْ " في اليمين تحت الإبط كما هي عادة أغلب المغاربة في المناسبات . تكون مهمّة المنشدين ترديد الشّطر الأخير من قصيدة الشّاعر ، وعليهم كذلك تغليف هذا الشّطر بلحنه المختار من الشّاعر نفسه ، وعادة ما يختار المنشدون واحدا منهم حتّى ينظّم حركات أجسادهم الرّاقصة ، فينسلّ إلى داخل الحلقة الدّائريّة ومن ثمّ يوجّه حركات الأجساد برقصات من إبداعه ، فيسايره المنشدون في ذلك - دون أن يكون العازفون ملزمون بمسايرته البتّة -والضرّب بالأيدي اليمنى باليسرى - ويسمّى بالأمازيغيّة الّْرّشّْ أو التّصفيق- على شكل يكون من أوّل الرّقصة إلى آخرها هو مهمّة المنشدين في تناغم مع العزف في مراحله الثّلاثة ..


4 – الجمهور :


في المناسبات والإحتفالات المختلفة ، لا يمكن أن نتحدّث عن رقصة أحواش بدون حضور جمهور . ويتحدّد عدد الجمهور بأهمّية المناسبة وبأهمّية الشّعراء الحاضرين وكذلك بالمركز الإجتماعي لصاحب الحفل أكان عرسا أو عقيقة أوحفلة من نوع ما . ويتكوّن الجمهور في الأغلب من النّساء والرّجال في مختلف الأعمار أمّا الصّبية فيتعذّر عليهم متابعة الحفل لأنّه يستمرّ عادة إلى الهزيع الأخير من اللّيل ، ويكون حضور النّساء أهمّ من حضور الرّجال وخاصةّ في رقصة أحواش في نوعه : " الدّرست " لماذا ؟ لأنّ النّساء هنّ وقود الصّراع الّذي يجب أن يكون صراعا مثيرا بين شاعرين أو أكثر ، فواحدة أو إثنتان أو أكثر يؤازرن شاعرا ما من وراء حجاب بزغاريدهنّ القويّة مقابل أخريات يشجّعن شاعرا آخر بنفس الطّريقة .« وخلال ذلك كلّه تقاطع النّساء إنشاده ( : الشاعر ) بالزّغاريد العميقة الملهمة ، تلك الزّغاريد الّتي تعتبر من أصدق الأدلّة على إيمانهنّ واستعدادهنّ للمشاركة الفعليّة فيما دعا إليه ذلك الشّاعر ....(21) حتّى أنّ بعض الشّعراء يعرفون مؤاِزراتِهم – ولا أقول خليلاتهم نظرا لأنّ المجتمع هنا شديد المحافظة – من خلال زغاريدهنّ ، وأيّ شاعر لم يتلقّ زغرودة أثناء أو خلال إلقاء قصيدته ، يعتبر نفسه مهانا أو غير مرحّب به في الحفل أو لأنّ ما قاله لا يستحقّ الإهتمام ، فقد يكتم غيظه ويستمرّ كمنشد في الحفل لا كشاعر ، أو يغادر وهو السّبيل الوحيد للتّعبير عن كرامته . والنّساء يتابعن مسار نموّ رقصة أحواش باهتمام متزايد وبانتباه منقطع النّظير في تجمّعات مستقلّة عن الذّكور سواء في سطوح المنازل المطلّة على"أسايس " أوفي أماكن مخصصة لهنّ . وللتعبير عن إعجابهنّ بالشّاعر أو بالمنشد فللنّساء طريقة أخرى وخاصّة إذا كان بينه وبين امرأة أو فتاة ما علاقة قرابة أو علاقة زواج وشيك أوخطوبة أو حبّ جارف فإن الأخيرة لا تتردّد عن إهدائه باقة من ورد أوحبق . وللحبق في سوس معنى واحد ، فهو رمز المحبّة والودّ . فحين تهدي فتاة غصن حبق لشاب فهذا يغنيها عن القول : إنّي أحبّك ..كما تهدى النّساء مجوهرات خاصة الفضّية أو الذّهبية منها كالسلاسل المؤلّفة من قطع نقدية فضّية قديمة أو خاتم أوأساور أوغيرها - على وجه الإعارة فقط حيث تسترجع من طرف الواهبة في وقت لاحق لأحواش - عن طريق طفل يسلّمها للمعنيّ مباشرة داخل حلقة أحواش . وللرّجال الحاضرين طريقتهم المرتجلة أحيانا في تشجيعهم للشّعراء إمّا بالتّصفيق أوبالصّراخ أو باسماع الشّاعر عبارات الثّناء والمدح أوما إلى ذلك لتحفيزه على الإستمرار أولإبلاغه رسالة فحواها أنّك الأقوى والكلّ بجانبك . ...


5 – المكان والزّمان :


عادة ما يكون اللّيل هو الخيار المثالي لإنجاح رقصة أحواش في شكله " الدّرست " حيث يكون الجميع متفرّغا للحفل والإحتفال ، ويختار المنظّمون الّذين ليسوا سوى أصحاب الحفل وقتا مميّزا وهو ما بعد صلاة العشاء إلى حلول الفجر ، وربّما في اعتقادي يعتبراللّيل على امتداده الرومانسي فضاء مناسبا لإقامة مثل هذه الإحتفالات ؛ وهذا وارد عند معظم الشّعوب ولم يكن الأمازيغ ليشذّوا عن القاعدة . أما المكان فيختار وسط الدّوار أو القبيلة وهم مكان فسيح تحيط به المنازل من كلّ اتّجاه . والملفت للإنتباه أنّ المكان المخصّص لرقصات أحواش - ويسمّى هذا المكان في الأمازيغية ب " أسَايـْسْ أو أسَراك ْ - عادة ما يكون قرب مسجد ، والحكمة في اختيار القبيلة لأسَايـْسْ قرب المسجد هي أنّ رقصة أحواش تبتدئ بعد العشاء مباشرة وتنتهي عند الآذان الأوّل للفجر ، فيصبح مؤذّن الفجر كحـَكم يرفع صفارة البدء لرقصة أحواش ويعلن نهايتها كذلك ، فينفضّ الجمع إلى منازلهم ثمّ يقومون إلى أعمالهم الإعتيادية وهم مرهقين لكنّهم مستمتعين أيضا بليلة ليلاء ، وبعد الظّهر فمافوق ، يكون استحضار أحداث اللّيلة الماضية فرصة للنّساء للتّسابق فيما بينهنّ أيّهنّ يتذكّرن أدقّ تفاصيلها .
ويندرج صنفي الدّْرْسْتْ وإﺳْﻤﮕان ضمن الصّنف الرّجالي أعني الرّقصة المؤدّاة من طرف الرّجال شعرا وغناء وأداءً :
نسق القصيدة الأمازيغية وشّعر النّقائض في رقصة الدّْرْسْتْ
لا يختلف فنّ الدّرست عن فن رقصة أحواش في شيء غير عنصره الأساسي الّذي هو القول الشّعري . و يعتبر فنّ الدّرست الأوسع انتشاراً والأكثر حضورا في المشهد الثّقافي الشّفاهي الغنائي الأمازيغي الرّقصي في منطقة طاطا ، بل وفي مجموع إقليم سوس الجنوبي ، وهو بناء فنّي يقوم على لبنات محدّدة وأساسات لا تغني الواحدة عن الأخرى كنّا قد فصّلناها فيما تقدّم ؛ ويأتي الشّعر المنظوم والرّاقي تعبيريّا في المقام الأوّل ، يليه العزف ثمّ الغناء ثمّ الإيحاء الجسدي ؛ ويكون حضور الجمهور الرّجالي والنّسائي كمتفرّجين ثمّ كمشجّعين ليس مكمّلا فقط ولكن كشرط أساسي لوصول الفرجة حدودها القصوى من الإمتاع الفولكلوري ، ويأتي المكان والزّمان بشروطهما المحدّدة كمكمّلين ضروريين في بناء نسق فن الدّرست ؛ وسأحلّل لاحقا العنصر الشّعري الّذي يرتكز عليه هذا الفنّ وخاصّة في جانبه النّسقي والشّكلي .

تحدّث الأستاذ الشّاعر عمر أمرير في كتابه " الشّعر المغربي الأمازيغي " عن الشّعر الأمازيغي ومنزلته في الذّوق العامّ السّوسي ،فيقول : إنّ جلّ الأمازيغ في الجنوب ( ويعني به جهة سوس ) ، كهولا وشباّنا صغارا، العامّي منهم والمثقّف ، الوضيع والرّفيع ، الصّوفي والمتهتّك ، كلّ منهم له حظّ من الشّعر، إمّا أن يكون شاعرا مبرزا ( بارزا : الباحث ) أورواية ( راويا : الباحث ) حفّاظة ( حافظا : الباحث ) ، وإن لم يكن كذلك ، فقد يكون ذوّاقا له ، مغرما بسماعه متمثّلا بروائعه .
ومهما قلّ أو كثر ذلك الحظّ الشّعري عندهم ، فإنّهم نقّاد بالسّليقة .. (22)

والشّعر الأمازيغي في المغرب عموما والسّوسي على الخصوص– للتّذكير – له قواعده الخاصّة التي تضبطه ؛ وله أنساقه المتنوّعة غاية في الدّقة كما لدى كلّ الشّعوب الّتي أسّست لهذا الفنّ منذ حقب غائرة في القدم ؛ وفي طاطا كما في سوس تسمّى القصيدة المنظومة على إيقاع معيّن ومعترف به : تَنْظـّامْتْ أوتـَلـْغاتْ ولفظ الأولى كما يتبيّن من أصل عربيّ وهو النّظم . وتتأسّس تنظامت على شّروط قد تشبه إلى حدّ بعيد شروط القصيدة في الشّعر العربي بما في ذلك الأوزان والتّفعيلة باستثناء الشّكل ، فالبيت في القصيدة الأمازيغية يتكوّن من شطر واحد ومن تفاعيل مضبوطة ، والتّفعيلة سمّيناها: اللـًّـيْــلـًـلـًة (23) ويتكوّن الشّطر – إذا اقتصرنا على وزن الدّرست – من أربع تفعيلات لاغير :ويأتي الشّطر هكذا تفعيليّا أو باللّيللة :


أَلا َ لَيْلْ أَلَلاَ دَايْلْ أَلَلا َ لا َلاَلْ


وجزّأته كما يلي :


اَلاَلَـيـْلْ / ألَـلاَ دَ ا يْـلْ / ألَلاَ / لاَ لاَ لْ


- - 0 - 00 /- - - 000 / - - - 0 / - 0 - 00


ويأتي الضّابط الثّاني في الشّعر الأمازيغي بعد " اللّيللة " : النّبرالمحوري ، وهي الدّال المحورية الّتي ينبني ويرتكز عليها وزن الشّطر الواحد،وهذه الدّال تعتبر بمثابة قانون الحركة والسّكون في النّظم العربي الفصيح إذا غضضنا الطّرف عن استثناءات الزحافات في هذا الأخير .ولا يفوتني تبيان طغيان الأحرف السّاكنة على الكلمات المبنية للجملة الأمازيغية ، ومن ثمّ صعوبة ضبط إيقاع الشّطر الواحد في الشّعر الأمازيغي بمبدإ الحركة والسّكون على النّسق الفراهيدي وإن كان من الطّبيعي وضروري وجود ولو حركة واحدة في كلمة ما كي يستقيم النّطق بها سواء في الكلام المباشر أو في النّظم الشّعري . وجدير بالذّكر أنّني وجدت صعوبة كبيرة في اختزال أوزان الدّرست في معطى الحركة والسّكون . غيرأنّني عند تحليلي لعديد من القصائد الأمازيغية لشعراء قدماء ومخضرمي وحديثي العهد بالنّظم الشّعري الأمازيغي في جهة سوس الشاسعة الأطراف والمناطق المحيطة ، تبيّن لي عن كثب أنّ الشّطور المكوّنة للقصائد تتكوّن من أربع لَـيْللاتٍ بل و تشترك في كون اللّيللة الأولى والّتي هي ألاَليْل تتركبّ من حركتين يليها سكون ثمّ حركة وسكونين واللّيللات التّاليات تأتي الحركة والسّكون في نظام غير مضبوط كما في الزّجل العربيّ تماما .. لكنّ في اللّيللة الثّانية والّتي هي ألَـلاَ دَ ا يْـل – ودائما في وزن الدّرست – فالمشترك هوحرف سميناه سابقا بالدّال المحورية وهي جميع الحروف ذات النّبر القويّ في مخارجها وهي : الهاء – الكاف – الزّاي – الجيم – الغين – العين – الضاد – الدال – الباء والكاف المعقوفة(ﮕ ). وللإستدلال سأقوم بمحاولة تقطيع شطور محدّدة بالطّريقة الفراهيدية على جزء من قصيدة يدخل وزنها في إطار الدرست وسأستعين بالحرف العربي:


يقول الشّاعر مبارك ابن زيدا الطّاطاوي في معرض ردّه على شاعر آخر في حفلة لأحواش الدّرست ولم يكن الأخير إلاّ سيّدا سابقا لعبد إسمه ابن زيدا :


هَـانْ الْـقـأيْـد الـْعـْرْبي أدانْـخ إنـّانْ رْواحاتْ


-0 --00 /0-0-0-00 /-0-0 /0 --00


لتعلم أنّ القائد "الْعْرْبي" هو من ألحّ علينا بالحضور


إغـْرَسْ إبـيبـي يـُوﮔرْنْ أفـونـاسْ نـّـُونْ


-0--00 /-0--0-000/---00/0-00


فذبح لنا ديكا روميا هو أكبر حقا من بقرة من أبقارك


تـَﮕـَلا ّنـْكْ إيـخـْلـْضْنْ ديـرْكـانْ لـِّيي تكـّاتْ


--00-00/-0-0-0-0/0-00-0/-0-00


عصيدتك الّتي تقدّمها لنا ملوثة بأوساخك العفنة


غـَسّـادْ إغـْنـأيـاخْ رْبّي فـْكـاتـْنـْتْ إيواسيفْ


-0-0-00/0--0-0-0/0-00-0/-0-0


الآن أغناني الله عنها، ماعليك إلاّ أن ترمي بها للوادي ...


ويقول علي شوهاد في قصيدة من ألبوم مجموعة أرشاش الغنائية التي يرأسها :


أَداكْ أُورْ تـَنـِّيتْ تـنْجـْمـْتْ سْرْسْ أَيـَاصِيـَّادْ


--0-00/-0-00-0-/000--0/-0-0


لا تقول أيّها الصّيّاد أنّك الآن فزت بها وانتهى الأمر ،


أَدا تـَايـْلالْ تـَْفـْلـْدِ إفـْراوْنْ غـُو فـُوسـْنـَك


--0-0/-00-0-0-0/0-00-0/-00-0


فقد تنسلّ من يدك فجأة ولا تترك لك إلاّ ريشا في قبضتك ...

والأمثلة كثيرة لاحصر لها ، تبيّن بوضوح أنّ الشّفوي من الشّعر الأمازيغي وفي هذا الوزن بالذّات ، يؤكّد التزامه بتنظيمات داخليّة معيّنة ، فبالرّغم من التّقطيع الحركي السّكوني على المنوال العربي والتي تبدو فيه عدد السّواكن في مختلف الشّطور و كأنّها غير مضبوطة إلاّ أنّ العكس هو الصّحيح ؛ ذلك أن اللّغات الغير العالمة أو ما يسمّى باللّغات الدّارجة أو أحيانا العامـّية ، تغلب على مفرداتها السواكن ، ما يجعلها في حلّ من الأنماط التّقعيدية أو ما يسمّى في الشّعر العربي : "العروض " : على النّسق العربي تحديدا - ، أمّا نظام الحركة فهو واضح ولا يمكن تجاهله . وتحليلي لعدد من قصائد تنتمي إلى وزن الدرست على وجه التّحديد ، خرجت بنتيجة أنّ أنّ إحصاء الحركات وموقع الدّال المحورية ، يجيئان في المقدّمة في تشكيل النّظام الدّاخلي للقصيدة الأمازيغية ؛ فخلال بحثي في القديم والجديد من قصائد مصنّفة في هذا الوزن لشعراء أحواش وكذلك لشعراء الرّوايس(24)، كان الشّطر الواحد يضمّ من 11 حركة إلى 12 حركة على أكثر تقدير وهذا يدلّ على نسبية الفرق ، بينما السّواكن معدودة في 7 سواكن إلى 14 سواكن وهو فرق كبير، مايدلّ بوضوح أنّ قانون الحركة هو الّذي يمسك بزمام النّظم الأمازيغي ككلّ ، وأنّ النّظم الشّفاهي في كلّ الثقافات على ما يبدو يمكن تقعيده وتقنينه ، وهو نفس الشّيء الّذي قام به الإمام الفراهيدي وهو يؤسّس لعلم العروض العربي في أوّل خطواته لتقعيد الشعر الّذي كان ينظر إليه قبل خطواته النّاجحة على أنّه – أي الشعر – إنّما هو كلام ملقى على عواهنه ...


رقصة أحواش إﻳﺳْﻣْﮕانْ :

ترجع جذور فن ّرقصة إﻳﺳْﻣْﮝانْ إلى حقب غابرة في التّاريخ المغربي و إﻳﺳْﻣْﮝانْ يقابله في العربية العبيد وتفرّد على إﻳﺳْﻣْﮝ ْ وفي الأطلس الكبير والمتوسّط يقال إيسْمْخانْ ويفرّد على إيسْمْخْ ، وقد أرجع هذه التّسمية إلى لون أصحابها وهم سود البشر حيث أنّ كلمة أﺳْﮝــّانْ حاليا في طاطا تعني السّواد أوالأسود وقد يكون العكس هو الصّحيح وفي الأطلسين يقال أبْخــّانْ للّون الأسود . وتب الإشارة إلى بعض مسمّيات لهذا العنصر لتمييزه لونا عن الجنس الأبيض وليس هذا عنصرية بالمعنى القدحي للكلمة ففي طاطا يسمّى الأسود بِ أسُوقّـِيْ ، وفي مناطق واحات درعة يسمّى الحـْرْطاني وفي الوسط وشمال المغرب يسمّى الدّ ْراوي نسبة إلى واد درعة.. أمّاتاريخيّا وباختصار شديد ، هناك تضارب حول ظروف تواجد العنصر الزّنجي بالمغرب الأقصى وخاصّة في جنوبه ؛ فبعض المؤرّخين ربطه بعوامل الإحتكاك الطبيعي منذ عصور غابرة بين إفريقيا السّوداء وشمالها عبر الأراضي الصّحراوية الشّاسعة والمفتوحة ، عن طريق التّبادل التّجاري ، فاستقرّ بعض الأفارقة في واحات درعة وسفوح جبال الأطلس الشّرقية والجنوبية ، فتناسلوا وتكاثروا حتّى أصبحوا جزءا لا يتجزّأ من ساكنة المغرب . وبعضهم أرجع هذا التّواجد إلى تاريخ قريب وبالضبط أثناء حكم السّعديين للمغرب وخاصة فترة حكم أحمد المنصور الذّهبي ، والّذي اشتهر باستقدامه الآلاف من السّود من السّنغال والسّودان حيث تمتدّ نفود مملكته آنذاك فاستعملهم في الجيش وتثبيت أركان دولته وبعد وفاته تفرّقوا في محيط تواجدهم وارتبطوا بالأرض بشكل من الأشكال . وأياّ كانت المصادر فإنّ الزّنوج في المغرب لهم تاريخ عريق وليس تواجدهم كلّه مرتبط بالإستعباد وإن كان الأمر يبدو للكثيرين كذلك . إلاّ أنّ الكثيرين منهم أو السّواد منهم أمازيغ ذوو ثقافة أمازيغيّة أصيلة . ورقصة إسمكان في طاطا تشبه تماما رقصة أحواش إلاّ أنّ إستثناءات يجب ذكرها هنا ؛ فرقصة إسمكان كانت رقصة خاصّة بأولئك الذّين كانوا عبيدا أومازالوا يروّحون بها عن أنفسهم في لحظة يسمح لهم فيها سادتهم البيض بالتّعبير عن خلجات أنفسهم ؛ وقد استمرّت هذه الرّقصة حتّى العقود الأخيرة من القرن الماضي وحتّى بعد أن أصبحوا أحرارا ؛ لكن الآن ربّما فقدت هذه الرّقصة بعض مظاهرها المتميّزة وهذا أكيد ، ذلك أنّ التّعبير تحت ظروف الإستعباد وطريقة تثقيفه لغويا وشعريا وتجسيده حتّى من خلال الرّقصة قد لا يكون هو نفسه في ظلال الحرّية ؛ وهذا طبعا إذا اعتبرنا أنّ الفنّ هو تجسيد لواقع الفنان الوجداني..فالحلقة في رقصة إﻳﺳْﻣْﮝانْ تتكوّن من منشدين وعازفين غير أنّه خلافا لما في أحواش الدّرست ، ليس لازما أن يوجد شعراء محترفين ، فيترك اختيار قصيدة مغناة من أرشيف الذّاكرة الإﻳﺳْﻣْﮝانيـّة لرجل منهم كبير في السّن وعندما يلقيها منفردا يتلقّف نصف المنشدين شطرا أو شطرين يتناوبها مع النّصف الآخر من الحلقة ؛ وقد يشاركهم الرّقصة النّساء زوجات هؤلاء في زيّهنّ العادي وهو لحاف أسود مع قطعة من كتان أسود يغطّى بها الرّأس دون الوجه مشكّـّلات نصف دائرة على الأرجح أو أقرب إلى ذلك ، ويشاركن في ردّ الإنشاد مع الرّجال ، ويستحبّ إن أمكن ذلك أن لا يشاركهم البيض ؛ وهؤلاء طبعا يقدّرون ذلك ويعلمون أنّه إنّما يدخل في طقوس هذه الرّقصة ليس إلاّ . ويكتفي البيض بأخذ أماكنهم بين الجمهور المتفرّج . وقد إختفى هذا الطّقس وأصبح من الماضي فالجميع يشاركون في رقصة واحدة دون تمييز. أمّا العزف فبالدّفوف وطبلين أوأكثر خلافا لأحواش مع قطعتين حديديّتين تستعمل باليدين لإضافة إيقاع وصوت رقيق إلى إيقاع الطّبول والدّفوف ؛ والرّئيس المنظّم لإيقاع للرّقصة هو من يسيّر العازفين والمنشدين لوحده . وخاصية أخرى تتميّز به هذه الرّقصة عن رقصة أحواش أنّ العزف وما يصاحبه من حركات جسديّة تبدأ كتمايل السّنابل يمنة ويسرة في إيقاع هادئ وجذّاب حتّى نهايته ودون أن يتوّج في مراحل معيّنة بالرّفع من إيقاعه ، يذكّرنا برقصات دول إفريقيا السّوداء. أما الشّعر فله خصوصيّاته كذلك : الأولى أنّه غير مرتجل ويستحب ّفيه ذلك ؛ والثّانية أنّ مضامينه لا تخرج إطلاقا عمّا هو ديني كالأمداح النّبوية والتّوسّلات الصّوفية وذكر بعض الأخلاق النّبيلة لعبيد قدامى ؛ وهذا ما يفسّر حتما قلّة الزّغاريد أو إنعدامها والّتي تطلق عادة في رقصة أحواش من طرف النّساء أو الفتيات الحاضرات ضمن المتفرّجين . ومن أشعار إيسمكان :


أ --- أليلا هايل الله محمّد أرسولي ـــــــــ لاإله إلاّ الله محمّد هو الرّسول


تعاد هذه الازمة مرتين أوأكثر قبل أن تضاف لها شطور أخرى تناسب مضمونها ولا تحيد عنه ...


ب --- أبيدانخ آربّي غ ءونرار الحساب


اللّهم كن بجانبنا يوم الحساب


أوروكان ﮔيس بلا ليلا ها يلو الله


المكان الوحيد الّذي لايقبل فيه إلا :لا إله إلاّ الله ... /

1 – الشّفاهي الغنائي

وتندرج في إطاره كلّ أشكال التّعابيرالغنائية دون استعمال أيّ آلة ضبط إيقاع أوموسيقى ، وهو شائع في بعض مناطق سوس وفي طاطا خاصّة ؛ و يسمّى " تيزرارين "(1) "أوتماوايت" ويقابله في الأدب الشّعري العربي : النظائر أو التّناظر الشّعري دون أن يكون " نقائضيّا " بالمفهوم القدحي للكلمة . وحتّى لا يلتبس مدلوله مع فنّ آخر تطرّقنا إليه في أحواش الرّجالي وهو فنّ " الدّرست " (2)، ف" تيزرارين " فنّ قائم بذاته ويتّخد شكلا تعبيريّا إحتفاليّا في حفلات الأعراس ، حيث هديّة تعبيرية يقدّمه الوافدون من أهل العروس للمستقبلين من أهل العريس أو العكس ، وتكون الوفود رجالا ونساء متأهّبين للتّناظر : فريق الوافدين النّسائي مع فريق المستقبلين الرّجالي أو العكس عند باب أهل العريس أو العروس سيّان ، يفتتح هذا المشهد بإلقاء فتاة أوشابّ "تزرّارت "وهي مفرد تيزرّارين بشطر أوشطرين من كلام موزون ومعبّر إيحائي وغير مباشر : سواء من إبداعه ( ها ) أوموروث معروف ولّما ينتهى من شطر يأخذ عنه أصحابه ( الّذين يحيطون به أو اللّواتي يحطن بها ؛ يكون داعمين للرّجل ، والفتيات يأخذن عن الفتاة الاّزمة الأخيرة من الشّطر كدعمهنّ لها ضدّا على الرّجال أو لتحسيسها أنّها أصابت المعنى في مقتل ؟ ولا يمكن للرّجال أن يأخذوا عن النّساء والعكس صحيح ...) الكلمة الأخيرة من الشّطر مباشرة بزيادة حرف واحد ممدود وهو :هِـ ـ ـ ـ ـــــــي ( هاء ممدودة جرّا لخمس ثوان ) ؛ إذا كانت الفتاة من أخذت زمام المبادرة ، فسيكون الرّد من فتى ً من الجانب الآخر و العكس كذلك صحيح ، ويكون الرّد إمّا من إبداع الرّاد أو من الموروث مطابقا أو مقابلا ، وهكذا حتّى يأمر صاحب العرس الجميع بالدّخول ، ثمّ يستمر هذا المشهد داخل المنزل حتّى يحين موعد الأكل ؛ ويكون الرّجال والنّساء في وضع لا يمكن لأحد منهم أن يرى من يحاوره أو يعرف عن شخصه إلاّ من سماعه فقط : طبقا للأعراف المحلّية الّتي تمنع الإختلاط مع الغرباء بل وتحرّمه ( أتحدّث هنا بالخصوص على طاطا ). ويحضر هذا الفن ّبقوّة في مواسم الحصاد السّنوية مثل موسم جني التّمور وموسم حصاد القمح والشّعير أو الذّرة ، ويتّخذ كما في الحفلات نمطا تناظريا بين الجنسين الرّجال والنساء مع ضرورة وجود مسافة معقولة بينهما للأسباب السّابقة ذكرها ؛ ويكون بين جنس واحد ٍفي حالتين منفصلتين حين يكون الجنس الواحد هو الحاضر لوحده أو الغالب في العرس، ونجده في الأعمال التّضامنية ك "تويزي " أو" تاويزا " (3) وهذا خاص بالرّجال أو في أعمال النّسيج والحرف التّقليديّة الجماعية الخاصّة بالنّساء أوعند التّحضير الجماعي لحفلة عرس أوعقيقة تكلّف به النّساء ، وفي كلتا الحالتين يكون الدّاعي هو تصريف الوقت ونسيان الإرهاق من عمل قد يأخذ وقتا طويلا . ويشترط في أصحاب هذا الفنّ أن يكونوا على ذراية كبيرة بموروث هذا الشّكل الشّفهي الأصيل ، وأن يكون الرّاغب أو الرّاغبة في التّناظر في هذا النّمط التّعبيري ، ذا صوت قويّ وجهوري يسمعه القاصي والدّاني ، ويشترط في الفتاة زيادة على قوّة الصّوت أن يكون صوتها عذبا ًأخّاذا يستأثر باهتمام الشّباب ويجذبهم للمغامرة في البحث عن أبدع ما يحفظونه من هذا الموروث الشّفاهي الجميل . وفي منطقة تاكموت ومنطقة إيسافن يكثر هذا النّمط من القول الشّعري حيث يسمح للفتيات بالجلوس مع الشّباب المحلّيين والغرباء دون تحفّظ ، وأن يتبادلن أطراف الحديث سرّا أو علانية مع من يخترن من الشّباب الوافدين من مناطق مجاورة ، فلا تفتر قوى الجنسين معا في التّناظر الشّعري أوتيزرارين والبحث عن المعبّر بعمق عن أحاسيسهما اتّجاه بعضهما البعض . وتستعمل في هذا الفنّ أغراض معيّنة ومحدودة كالغزل والحبّ العذري والمدح والتّنويه بالضّيوف والمستقبلين في حالة الأعراس والحفلات الخاصّة والعامّة .ولهذا النّوع من الشّفاهي الغنائي أوزان محدّدة خاصّة به بينما تشترك مع وزن الدّرست في وزن معيّن ومنها :


ألا ليل ألايل أدا ليل ألايلي ــــــــــ - - 0 - 00 /- - 00 /- - 0 /- 00 - - 0- 0


ولا ليل ألايل أدا ليل ألايلي (4)


وهذا الوزن كما يبدوا واضحا بالتقطيع العروضي للشعر العربي ومقارنة مع وزن الدّرست المشهور والّذي رأيناه في الجزء الأوّل يبدو أنّ تيزرارين وإن كان فيها الخطاب الشّعري يأتي في الدّرجة الثّانية إلاّ أنّه يمتح من الموروث المنظّم والموزون، بالرّغم من أنّ بعض الشّعراء الشّباب بدأوا يبدعون أوزاناً جديدة غير مصنّفة.
كما نجد هذا النّمط متداولا في حالات فرديّة ، منها : عندما تهدهد الأمّ صبيّها أو رضيعها كي ينام ، لتتفرّغ لشؤون البيت أوليدعها تنام ، وكذلك المرأة حين تجلس إلى الرّحى كي تحضر دقيقا لوجبة أو وجبتين منتظـَرتين ، وحتّى الرّجل منفردا حين يعمل في حقله لوحده أوحين ينسج بردعة لحماره أو أشغال أخرى فرديّة فإنّه لا يألو جهدا في دغدغة موهبته الإنشادية وإمتحان حنجرته بشعر حكميّ عادة أوبشعر غزليّ مكبوت الرّائحة بينما يصادف أن تمرّ قافلة من النّساء في طريق مجاور لحقله فينبهرن لعذوبة الصوت وجمال اللّحن وبديعيّة المعاني فلا يجدن حرجا في الدّخول إلى عاصفة المناظرة وزوبعة المباراة شطرا له وشطرا لهنّ ، ربّما تدوم نصف ساعة ، يضع نقطة النّهاية لسعادة تقاسمها الرّجل مع نساء الدّوار، رجل آخريأتي من أقصى الطّريق ، فتهرب النّساء المتحجّبات حتّى لا يفضحن . وعن قرب حين تمرّ بأمازيغيّ في حالات كهذه تسمع أشعارا موزونة غارقة في أصالة هذا الشّعب الأمازيغي تمتح من الموروث الشّفاهي العريق . وهناك حالات أخرى فرديّة لا يتّسع المجال لذكرها هنا يوحّدها هذا النّمط من الشّفاهي الغنائي .

والشعر في نمط تيزرارين يخضع لأنساق محدّدة وأوزان معيّنة كما قلت سابقا، يتعامد أويتقاطع في ذلك مع شعر الدّرست ، و يتشكّل البيت أوالشّطر من عدد من التّفعيلات سمّيناها ِ "اللـَيْلـَلَـَةٍ أو التّفعيلة باللغة العربية"(5) تتكرّر ثلاثة مرّات أو أربع أوخمس مرّات بتركيب حرفيّ مختلف أحيانا وأحيانا كثيرة تتعرّض هذه اللّيللات لبتر بعض أحرفها أوزيادة مدود ( جمع مَـدّ مثل الواو والألف والياء ) تماشيا مع صوت الشّاعر(أو الشّاعرة) والزّمن الّذي يريد أن يستغرقه إنشاده لشطر شعريّ ، ويكون أساسيّا في الشّعر الأمازيغي ككلّ أن يحتوي كلّ شطر على لَيْللة محوريّة تتوسّطه أو تنتهي به ، يتوسّطها بالتّالي حرف الدّال المحوري (6) ذو النّبر القويّ . وقد أتينا على ذكر هذه الخصوصية ضمن نسق الدّرست في الشّعر الأمازيغي سالفا .


فنّ تامسّوست :( أوتاسّوسْت ) (7)


ويختلف هذا الفنّ مع فنّ الدّرست في كلّ تراكيب هذا الأخير. ففي تامسّوست ليس للشّعر الأهمّية الّتي له في الدّرست من حيث كون هذا الاخير يغلب على مسار تطوّره المرحلي التّناظر الشّعري المتواصل بين شاعرين أو أكثر لمدد طويلة قد تستغرق ساعات ؛ ذلك أنّ تامسوست رغم كون الشّعر فيها حاضر وفاعلا ، إلاّ أنّه وسيلة ووقود لاشتعال فتيل الرّقص والغناء اللّذين هما الرّكيزتان الأساسيتان في رقصة تامسّوست . فقد لا يهمّ أن تكون القصيدة مرتجلة أ و تلقائيّة كما يستحبّ في فنّ الدّرست ، وإنّما يكفي أن تكون معبّرة ومن إنتاج الشّاعر في حينها أوأنتجها في وقت سابق ولم يكن ( قد نشرها ) ألقاها في مناسبة زمكانية أيا كانت ، لأنّه في هذه الحالة مهدّد بعدم التّجاوب معه من طرف الرّاقصين ( في حال تامسوست الرّجالية ) أو الرّاقصات (في حال تامسوست النّسائية ) (8) وقد ينتهي به الأمر بالطّرد من أسايس في حالة ما إذا كان قد ألقى قصيدة سبق و أن ألقاها شاعر آخر أو كانت له وألقاها في مناسبة سابقة في مكان ما ، وقد سمعت ممّن أثق بهم أنّ شاعرا كان يلقي بقصيدة سبقه إليها شاعر آخر- لا أذكر أقال في إيسافن أم في تاكموت - في رقصة نسائية و بدأ الشّاعر يترنّح ويتمتم وبدا مُحْرَجا لأنّه نسي التّالي في القصيدة ؛ وبينما الرّاقصات والعازفون والحضور المتفرّج ينتظرون و بدأوا يهمهمون إستنكارا ، إنسلّت من بين الرّاقصات فتاة يعتقد أنّها رئيسة الرّقصة طويلة القد ممشوقه في أبهى حللها وحليّها ، وبثقة تامّة خطفت دفـّاً من يد أحد العازفين وضربت به الشّاعر بكلّ مالديها من قوّة دون أن يتصرّف الأخير أو ينبس ببنت شفة ، ثمّ أعادت الضّربة القاضية بإدخالها رأسه في جلد الدّف، وعادت إلى صفّ الرّاقصات كأنّ شيئا لم يحدث ، بينما الشّاعر المسكين ولّى هاربا تحت الصّياح وعبارات التّهكّم والسّخرية القاتلة من الجميع . ويأتي الرّقص والغناء في تامسوست في الدّرجة الأولى . وتندرج تحت هذا الفنّ كلّ رقصات النّساء وبعض الرّقصات الرّجالية الإستعراضية (9) المحدودة في الزّمان والمكان وهذه الأخيرة لا يعتدّ بها مقارنة مع أهمّية رقصة النّساء . و بموازاة مع احواش الرّجال هناك أحواش نسائي في جلّ المناطق الأمازيغيّة عموما وسوس خاصّة ؛ وطبعا لهذه الرّقصة ما يميّزها عن أحواش الدّرست الرّجالي ، وسأخصّص هذه النّقطة لمنطقة طاطا ومنطقتي تاﮜـْـمُوتْ وإيسافـْنْ ْالمشهورتين بهذا النّوع من أحواش :


في رقصة أحواش النّسائية يمكن التّمييز بين صنفين وأنا أتحدّث هنا عن الثّقافة الشّعبية الغنائية والرّقصية لمنطقة طاطا . صنف محلّي وهو مقيّد بتقاليد محافظة وصنف في تاﮜـْـمُوتْ وإيسافـْنْ ْ أكثر تفتّحا وتحررا من بعض القيود الإجتماعية والدينية إلى حدّ بعيد ، ويعزى ذلك إلى أسباب إقتصادية وأخرى إلى الظروف الإجتماعية الّتي تعيشها الفتيات والنّساء خصوصا العنوسة الملفتة للنّظر لأسباب معيّنة سنأتي على ذكرها...


ففي منطقة طاطا وخاصة في أﮔاديرالهناء ، رقصة أحواش النّسائية تتميّز بطابع محافظ صرف ؛ فالنّساء يُقمن رقصاتهن الأحواشية داخل منزل صاحبة - أو صاحب - الحفل بعيدا عن أعين الغرباء فتتشكل الدّائرة الأحواشية من فرقتين نسائيّتين ، الفرقة الاولى نساء متزوّجات مغطّات حتّى أوجههنّ بلحاف أسود بينما يقابلها صفّ مواز من فتيات عازبات لا يبدو منهنّ إلاّ وجوههنّ ، وفي وسط الحلقة شباب من العائلة أوالأقارب يقومون بضبط الإيقاع بالدّفوف وطبل واحد جالسين أرضا بينما تحوم النّساء حولهم منشدات لقصيدة ألقاها شاب أوإمرأة شاعرة على أسماع الجمهور الّذي يمنع أن يحضره رجال حتّى ولو كان واحدا مقرّبا باستثناء ضابطي الإيقاع . وبهذا المعنى ينتفي الجمهور الرّجالي من الرّقصة . وعادة ما تقيم النّساء رقصاتهنّ في دهاليز غير مكشوفة ماقبل الظّهيرة وبعد الزّوال حتّى لا تفوتهنّ رقصة الدّرست المرتقبة بعد صلاة العشاء . أوفي وقت متأخّر يَتبع انتهاء رقصة الدّرست باكرا. والمثير للدّهشة والإستغراب أنّ رقصة أكادير الهناء النّسائية ورغم حرص النساء أن تقام داخل المنزل بعيدا عن أعين الغرباء ، فإنهنّ يضفنّ لرقصتهنّ شيئا هو الرّقص والغناء في الظّلام (10)أو تحت رحمة مصباح تـُكبح أشعّته حتّى يبدو كشمعة في بحر شاسع من العتمة لاحدود له ويكتفي بعض االشّبّان العنيدين والّذين يُمنعون من الدّخول إلى الرّقصة والمدمنين على رقصتهنّ هاته و الّتي لم يروها أبدا إلاّ في مخيّلتهم ، يكتفون بالسّماع لأصدائها تتناقلها الجدران عبر تجاويف الشّقوق الّتي تتخلّلها ، وهم متربّصين في الظّلام لا يتبيّن منهم إلا جمرات أعقاب سجائرهم. ويمنع على الشّعراء الشّباب الّذين يقبل على مضض إلقاؤهم لقصائدهم أن يتفوّهوا بشيء ما فيه رلئحة الغزل حتّى ولو كان بعيدا عن الإثارة باستثناء ما هو متعارف عليه محلّيا. ولا أستطيع وأنا أنقل هذه الصّورة الحيّة لثقافة شعبيّة تسوّرها الطّابوهات (11)، أن أغضّ الطّرف عن ملابسات وظروف وجود هذه الرّقصة النّسائية ، وظروف أطّرتها وتؤطّرها وتجعلتها شاذة واستثنائية بالمقارنة مع رقصات نسائية تقام في كلّ أرجاء سوس حتّى لأكاد أجزم بعدم وجودها أصلا لأنّها تقام بدون عنصر مهمّ أو بدون لبنة من لبنات الرّقصات الشّعبية في كلّ مجتمع مهما تكلّست عاداته وتحجّرت تقاليده هذه اللّبنة هي المشاهد أو الجمهور، وإذا شئت أن أخفّف من حكمي أقول أنّ الرّقصة النّسائية دون فاعليّة تذكر في المشهد الثّقافي لطاطا . أمّا وأنا أغوص في هذا البحث الّذي حسب علمي لم يكتب عنه أوتطرّق إليه أحد بشكل دقيق (12)، أريد أن أرفع النّقاب وأبحث في اسباب كون رقصة أحواش النّسائية في أغلب دواوير طاطا وفي أكادير الهناء خصوصا تقام في أماكن مغلقة ومن وراء حجاب ؟ وسأذهب بعيدا : فتاريخ المنطقة القريب يؤكّد محافظة المجتمع وسيمته الرّجولية . فالرّجل الطّاطاوي (وخاصّة الأبيض ) هو المسيطر على العائلة ، وليس للمرأة أيّ حقّ في اتّخاذ أيّ قرار أيّا كان حتّى ولو كان يخصّها دون استشارة الزّوج أو الأب أو الأخ ومن ثمّ يكون غناء المرأة أورقصها أمام الملإ آخر ما قد يتبادر إلى ذهن الرّجل أن يقبل به أو حتّى يناقشه ؛ وتكون أسلحته المتنوّعة فتّاكة ومدمّرة للمرأة في حالة كهذه أبسطها الطّلاق إذاكانت متزوّجة أوسجنها في البيت حتّى تتزوّج أويجعل اللّه لها فرجا ولم الموت ؟ وهو يجعل الرّجل أكثر راحة من أن تطارده أعين أفراد المجتمع أينما حلّ وارتحل . لكن غير بعيد عن هذا الموقف يوجد يمين الدّوار تجمّع سكانيّ محسوب على الدّوار نفسه وهو حيّ " أكـْني " في هذا الحيّ الأمور تجري عكس ما تحدّثت عنه : الفتيات يُقمن رقصاتهنّ امام الملإ وبحضور الجميع في ساحات عمومية بدون تحفّظ ؛ القارئ الكريم قد يحبس أنفاسه ويتساءل لماذاعن هذا الإنفصام الظّاهر وفي بقعة أرضية لا تتعدّى كلم² ؟ الجواب بسيط : في أكادير الهناء وحتّى في بعض الدّواوير الأخرى هناك تمييز واضح وعنصرية فاضحة تتجلّى في التّفرقة بين السّاكن الأسمر أو الأسود والّذي يسمّى أسوقيْ والسّاكن الأبيض والّذي يسمّى أمازيغ على الأقلّ هذا التّمييز يبدو واضحا في فنّ رقصة أحواش وخاصّة النّسائي منه فلا يمكن لأيّ أسمر مهما كان اعتباره في المجتمع أن يكون حاضرا في رقصة فتيات بيض ناهيك عن أن يلقي قصيدة فيها حتّى ولو كانت بريئة . لكنّ هذا الوضع مايفتأ ينقلب رأسا على عقب عندما يتعلّق الأمر برقصة فتيات سود أوسُمر ( أشير إلى أنّ كلمة " أسود " أو " أسوقي " أكثر حساسية في منطقة طاطا بالرّغم من أنّ السّكان السّود يُعتبرون أغلبيّة قاطنيها )(13) فالأبيض يسمح له بحضور الرّقصة وأن يكون ضمن طاقم العزف بل ويسمح له بإلقاء قصائده مهما كانت حمولتها ؛ والمغزى واضح من هذا السّلوك ، إذ يفسّره الرّجل الأبيض الطّاطاوي انّ الفتاة البيضاء أكثر إثارة و أفتن من الفتاة السّوداء ، وليس لدى الأخيرة ما يجعله عند حضور رقصتها يميل إليها ؛ لكن في الحقيقة ، حضوره ومشاهدته للرّقصة يفنّد إدّعاءاته بل ونفسّره بالمثل الشّعبي : ما لي حرام عليكم ومالكم حلال عليّ . وما يجعل قولي هذا صحيحا هو رحيل الأبيض والأسود معا وبشكل جماعي إلى إيسافن أوتكموت لحضور رقصة النّساء في فضاء متحرّر ودن أدنى اعتبار للّون أو الجنس وخاصّة في المواسم السّنوية وبدونها في أكثر الحالات . وللذّكر أيضا أشير إلى نقطة متّصلة وهو أنّ في مجموع تراب طاطا ، الرّقصة النّسائية الّتي تقام في فضاءات متحرّرة تخصّ الفتيات السّمر ونتذكّر بالمناسبة فرقة : أحواش تيسّينت- وهي تابعة لإقليم طاطا- المشهورة وطنيا وعالميا .

أمّا في منطقتي تاﮔموت وإيسافن ( تاﮔموت تبعد عن طاطا 50 كيلومترا شمالا بينما إيسافن يبعد عن طاطا بنحو 80 كيلو متراغربا ) فإنّ الأمر مختلف تماما كما أشرت إلى ذلك ، فالفرجة النّسائية ( للتّذكير: فبشرة الفتيات بيضاء ) لاتختلف عن الرّجالية إلاّ من حيث الشّكل تقريبا . ففي هذه المنطقتين ، تقام رقصات أحواش الرّجالية والنّسائية في الحفلات والمناسبات الدّينية وفي المواسم وحتّى دون أيّ مناسبة أو احتفال ، وهذا هو الغالب في مناطق غرب وشمال طاطا منعزلة تماما عن العالم ، حيث الفرجة هي المتنفّس الوحيد للنّساء والفتيات قبل الرّجال ؛ وللإشارة فكلتا المنطقتين من بين العديد من المناطق الجبلية في الجنوب المغربي الّتي تفتقر إلى أوراش شغل وعمل والّتي قد تساعد في امتصاص نسب هائلة من الشّباب ، والّذين يضطرّهم هذا الوضع إلى الهجرة نحو المدن السّاحليّة لتدبّر قوت عوائلهم الّتي يتوسّع عدد أفرادها عاما بعد عام . وعادة ما لايعود هؤلاء الشّباب إلاّ في عيد الأضحى بعد أن كانوا غادروا قراهم في الاضحى السابق يعني سنة كاملة تاركين أهاليهم وأسرهم للنّساء والشّيوخ والأطفال وهم الوحيدون الّذين هم مرغمين على البقاء تحت سماء صافية وفوق أرض مقفرة تفترسهم الوحدة والوحشة بدون رحمة . النّساء هنّ من يسقين الحقول ويحرثن البور قاطعات مسافات أميال ، وهنّ من يحصدن ، وهنّ من يدرسن المحصول ويذرينه ( من الذرو) وهنّ من يجمعنه في أكياس ، حبّه وتبنه فوق ظهور الحمير والبغال ، وهنّ من يجمعن محاصيل الزّيتون والأركان واللّوز ، وهنّ من يربّين النّاشئة ، يطهين لها ويغسلن ثيابها ، ويذهبن إلى السّوق و..و..و . لكنّ لهنّ شيء واحد ويكفيهنّ ، هو أحواش في إطاره الحرّ والمتحرّر فحين تنتهي الأشغال الموسميّة يبقى الرّأس والقلب معا شاغرين ومستعدّين لمتعة الفرجة ؛ لأنّ المرأة أو الفتاة في تاكموت أوإيسافن تعرف ما عليها ، ولكنّ ما لها هوهذا الفنّ فاهتمّت به وشاركته مشاغلها فأتقنته بحقّ غناء ورقصا وكانتا بحق ( تاكموت وإيسافن ) رائدتين في أحواش يفوق بكثير ما هو عليه في تافراوت وإيمي نتانوت المشهورتين بهذا الفنّ وطنيا ؛ ويحزّ في نفسي بعد زيارتي لتاكموت سنة 1986 وإيسافن سنة 1989و إلى الآن لم أشاهد هذه الرّقصة بفنّانات هاتين البلدتين في أيّ من القنوات الوطنية أ14و الدّولية. لذا نجد أن الأنشطة الموازية ومنها الإحتفال الدّائم في إطاره الأحواشي هو الملجأ الوحيد ؛ وشخصيّا تفاجأت حين زيارتي لتاكموت في ربيع 1986 بمهرجان من السّهرات الأحواشية النّسائية على الخصوص وفي كلّ ليلة حتّى السّاعات الأخيرة ودون انقطاع طوال مدّة إقامتي هناك والّتي استغرقت 15 يوما لكنّي ازدادت دهشتي حين انتهى إلى مسامعي أنّ هذا المهرجان قد ابتدأ قبل مجيئي بزمن طويل وقد لن ينتهي بعد مغادرتي وأنّ لا مناسبة تؤطّر هذا المهرجان الدّائم . وانتبهت إلى أنّ الدّواوير المحيطة بالوادي والّتي تشكّل قرية تاكموت تتناوب في إقامة السّهرات الأحواشية كلّ دوار له ليلته حتّى إذا انتهت السّلسلة ابتدأ العدّ من جديد . وفي دوار تازكزاوت (وتعني بالعربية : الخضراء) دعيت لرقصة أحواش وكنت مع صديق شاعر شغوفا بالشّعر إلى حدّ لم أتمالك نفسي حتّى صارحته أنّي سألقي قصيدة في هذه الرّقصة النّسائية – وكانت الرّقصة في أوج عطائها والإيقاع مستمر ، والفتيات في رقصتهنّ أمام الملإ وفي فضاء ليليّ أوقدت فيه المصابيح الغازية والكحولية ، ولم يخف صاحبي اندهاشه من عرضي الجنوني ذلك أنّه يعرف أنّي مبتدئ وشعري ركيك وغير سليم الوزن ، وإلقاء قصيدة في مكان إسمه تاكموت والّتي يعرف أهلها بحرفيّتهم العالية في فنّ أحواش إنّما هي مغامرة وخيمة العواقب ، لكنّي قرب انتهاء الجولة الفرجوية إنسللت واتّصلت برئيس الحلقة والمنظّم للإيقاع وسط الفتيات الرّاقصات ، وأخبرته بما أنوي القيام به فأشارعليّ بالإنتظار ، وعند الضّربة الأخيرة وهي بمثابة صافرة النّهاية لجولة من جولات الرّقص ، أمدّني بدفـّه وهي إشارة من إشارات الموافقة للشّعراء بإلقاء قصائدهم ولتبدأ جولة أخرى ، أخذت الدّف وانطلقت عقيرتي بقصيدة كنت ظننتها آنذاك جيّدة ، وكان السّكون هو صاحب الموقف لمّا انتهيت وكان من المنتظر أن تأخذها عنّي الفتيات كي أتمكن من معرفة مدى نجاحي ، لكنّ ذلك لم يحدث وبعد ثوان محدودة تقدّم شاعرآخر وأخذن عنه ، وانسحبت منكسرا ، لكن نجحت في مرّات بعد تمكّني من قواعد الشّعر الأمازيغي . و في منطقة إيسافن ( وهي جمع أسيف وتعني بالعربية : الأودية ) وهي واحة شاسعة يخترقها واد جاف لا يفيض ماء إلاّ عند هطول الأمطار الغزيرة ، وبالمقارنة مع قرية تاكموت فإنّ إيسافن تكاد تكون نسخة طبق الأصل لها في كل المظاهر الحياتية بالرّغم من بعد بعضها عن البعض بعشرات الكيلومترات ، وفي الجانب الثقافي وهو ما يعنينا هنا ، فإنّ التّشابه يبدو واضحا في رقصة أحواش الرّجالي منه والنّسائي سواء في ما يتعلّق بالرّقص أوالعزف أو الشّعر المنظوم وحتّى من حيث التّراكيب اللّغوية والتّعابير والأساليب المستعملة ؛ ويأتي أحواش النّسائي أكثر أهمّية من الرّجالي لظروف معيّنة جعلت منطقة إيسافن محجّ الّذين يرغبون في قضاء لحظات من المتعة في مشاهداة أستعراض أكثر تحرّرا لفتيات يرقصن ويغنين بشكل مثير في الهواء الطّلق ؛ عادة ما يلقي شاعر قصيدته والتي لا يتعدّى في الغالب كون مضمونها لا يخرج عن مدح صاحب الحفل وأهل الدّوار بعبارات لا تخلو من إطراء مبالغ فيه كعادة الشّعراء أحيانا ، بينما يوجّه سهام غزل عذريّ إلى هؤلاء الفتيات بأسلوب عميق وفتّان حتّى يحصل على فدر أكبر من الزّغاريد وهو مقياس النّجاح والشّعر في الرّقصة النّسائية لا يخرج عن نطاق المدح والغزل عكس ماهو عليه في فنّ الدّرست ، وأيّا كان الشّاعر وأيّما شيء صدحت به عقيرته فلن ينتبه إليه إلاّ القليل ؛ فكلّ الأنظار متّجهة إلى هذا العقد المرصّع بنياشين من بلور وزمرّد : هنّ الواقفات في صف مرصوص بلباسهنّ التّقليدي المزركش من لحاف أبيض في قطعة واحدة قد يصل طولها إلى عشرة أمتار تلتف لعدةّ مرات حول الجسد على الثّياب الدّاخلية ، هذا اللّحاف لايسمح ببروز نتوءات الجسد ، ويربط في منتصف الجسد بعناية ، بحزام مفتول ويعقد على شكل حبل فوق الصّدر بعقدتين أولاها تحت الكتف الأيمن وأخرى تحت الكتف الأيسر، وفوق اللّحاف الأبيض والّذي يبدي نتوءتا الصّدر إلى حدّ ما ، سلاسل من أساور فضّية وذهبية مدلاة تحدث خشخشة مثيرة تساير عزف الدّفوف والطبل وضرب الكفين معا ، وهي مجواهرات من الفضّة والذّهب مطعّمة بقطع من الزّجاج الأحمر والأخضر، يعكسان أشعّة المصابيح الغازية والكحولية المنتشرة على مسافات محدّدة في مدار مسرح الرّقصة ، وفوق رؤوسهنّ شاش أحمر منمّق بتلاوين ضفراء وخضراء يُحكم بعناية فوق الشّعر الأسود الغامق المفتول والّذي يتدلّى على محورين إثنين يمينا ويسارا، وعلى الشّاش الأحمر تاج فضّيّ كتيجان الأميرات مشدود بعناية إلى الرّأس وعلى الجبهة قطع نقد فضّية مزروعة في أواسطها قطع زجاج أحمر وأخضر لا ينفكّ يتلألأ كأنّه الألماس ، هذه القطع مسبوكة في عقد وتلتفّ حول الرّأس حيث تعقد فوق الشّاش الأحمر فوق الصّدر تيجان من عقد الفضّة المشعّ بهاء ورونقا ، تتخلّلها شتلات من الورود المحلّية والحبق الّذي يعتنين بزراعته والمحافظة على بقائه مزهرا طوال السّنة وحول العنق عقد اللوبان الأصفر الحرّ الّتي تتباهى به المرأة الأمازيغيّة على غيرها ، وعلى الرّجل فوق الكوعين خلخال من فضّة يثير بريقه النّاظر إليه ويسرحه في عوالمة حالمة ؛ وتنتعل الرّاقصات حذأء تقليديا يسمّى" أداكو" أو "تيفراوين "( نسبة إلى تافراوت ) ويُصنع جلده المدبوغ والمختار من لدن حرفيّ النّعال في تافراوت بسوس ، مربوطا بعناية إلى الرّجل لأنّ حركة الرّجل في الرّقصة تكون أساسية وعنيفة أحيانا ؛ وتنمو رقصة أحواش النّسائية عبر أربع مراحل إيقاعية :أولاها : عندما ينتهي الشّاعر من إلقاء قصيدته ؛ حيث تأخذ عنه الفتيات اللّحن ذاته الّتي القاه بها بينما يضفن له كلماتهنّ الخاصة من إبداعهنّ ؛ وهذه هي ميزة فتيات إيسافن كلهنّ يتقنّ الرّقص وأغلبهنّ شاعرات أو حافظات للموروث من الشّعر يعرفن متى يرددن على الشّاعر وبما وكيف بتلقائية ملحوظة وسرعة مبهرة. وتتولّى رئيسة الرّقصة والّتي تتوسّط الرّاقصات واللّواتي قد يفوق عددهن الخمسين فتاة في أبهى حللهنّ وحليهنّ ، تتولّى إبداع قصيدة على وزن قصيدة الشّاعر في نفس الوقت نفسه الّذي يصدح فيه بمواويلها الأخّادة بحنجرة تعيد صداها الجبال المحيطة بالقرية ، حينما ينتهي الشّاعر من إنشاده تكون قصيدة الرّاقصة الرّئيسة قد إنتقلت إلى مجموع الرّاقصات كما تسري النّار في الهشيم عن طريق الهمس بين راقصة وصاحبتيها الواقفتين عن يمينها وعن يسارها في الصّفّ المشهود ؛ فتنطلق الحناجر الذّهبيّة للفتيات حيث يقسّم الصّفّ إلى قسمين إنشاديا نصف ينشد شطرا وآخر يردّ عليه بالشّطر الّذي يليه في قصيدة الشّاعرة وليس تلك الّتي ألقاها الشّاعر ؛ تستمرّ هذه المرحلة ربع ساعة على أقلّ تقدير. ثم ّتليها مرحلة السّرعة في الإنشاد إيذانا بأنّ الرّقص قد يبدأ في ثوان معدودة إذذاذ يبتدئ العزف والّتي يعلن بدايتها الفتيات بأنفسهنّ بإشارة بارزة وهي العزف بالأيدي والمساير للّحن . يبدأ العزف ثقيلا أول الرّقصة فتتمايل الأجساد الأنثويّة تمايل السّنابل يمينا وشمالا ، وتستغرق هذه المرحلة 20دقيقةأوأكثر من ذلك بكثير ، تليه مرحلة تنمو شيئا فشيئا يعلنها رئيس العازفين الّذي يتولّى بدوره رئاسة فرقة العزف وسط الحلقة ، حيث تكون الرّقصة أشدّ إيثارة ؛ ولقد يُبهر النّاظر وهو يرى أرجل الفتيات وهي تضرب على الأرض بقوّة تحدث نقعا وغبارا دون اهتزاز الجسد كلّه كما في بعض رقصات الشّام ةالأكراد شمال العراق إذ خلال الرّقصة تبقى الرّاقصات أجسادهنّ لاصقة برغم العنف والحركة السّريعة الّتي تتخلّل نموّ الرّقصة ؛ وفي قمّة هيجان الأجساد وتعابيرها الأخّاذة واهتزاز الصّدور وتصفيق الأيدي وتداخل أصوات المعازف والأيدي والمجوهرات الّتي تنطّ فوق الصّدور، تدور الفتيات في صفّ وفي دائرة مغلقة وبعد 20 دقيقة على الأقلّ تدخل الرّقصة مرحلة الكف عن الإنشاد و الغناء بينما يتابع الرّقص والعزف مسيرتهما بسرعة فائقة وفجأة يعود الغناء من جديد و بلحن جديد وقصيدة جديدة لا تدوم أكثر من دقائق حيث تليه مرحلة الكفّ عن الإنشاد مرّة أخرىلا تدوم إلاّ دقيقتين أوأقلّ ينهي رئيس العازفين هذه الجولة بضربة على دفه بالتّلويح به إلى أعلى وهي إشارة للرّاقصات بأنّها نقطة أوضربة النّهاية في انتظار أن تبدأ جولة أخرى .


قصيدة ترتبط بالرقصة النسائية :( 14)


سبق لي وأن قلت أنّ القصيدة في الرقصة النسائية لها بنيتها الشّكلية ودلالاتها المميّزة تجعلها رهينة الأجواء الإحتفالية بحضور العنصر النّسوي في فضاء متحرّر ومسؤول في نفس الوقت ، عرفنا المتحرّر ، والمسؤول هو خضوع الشّاعر لإعتبارات شكلية منها احترافيّته وتجربته الواسعة - مع العلم أنّني قلت سابقا سابقا أنّ الشّعر في هذه الرّقصة يأتي ثانويا بعد الرّقص والغناء - ثمّ عدم جواز دخوله في مواضع لا تناسب الموقف مثل السّياسة والإقتصاد والهموم الحياتية ، لأنّ الأساسي في قيام الرّقصة هو محاولة خلق جوّ من الرّاحة والإستجمام والمتعة خارج أسوار الجدّية والعمل والواجبات اليومية إلى درجة الإستخفاف بهذه الواجبات والتّنذر بالزّمان والأقدار وتصوير الحياة على أنّها لعبة ومهزلة ولا تستحقّ غير الهروب منها إلى واقع حقيقيّ وهو فضاء " ءامارْكْ " ودلالة " ءامارك في الثّقافة الأمازيغيّة أوسع من إختزالها في الشّعر أو الرّقص أو الغناء . ْامارك هو كلّ هذه الأشياء مجتمعة وقدلا يكون أيّا منها . في بعض المناطق قد يعني ءامارك أنّه الحنين والشّوق ؛ فالأمازيغي يقول لصديقه : ياغي ءوماركنكْ ، فيعني به إشتقت إليك ، أو إستبدّ بي الحنين إليك ؛ وقد يقول آخر : ءيسّوسمي ءوماركنك ، ويعني به : يعجبني غناؤك أو شعرك أوهما معا ، وقد يقول : نكّاد دار ءومارك ، ويعني به ، عدنا للتّو من أحواش إلخ ؛ إنطلاقا من هذا يتبيّن بوضوح كيف أنّ الرّقصة النّسائية فضاء الشّعر الشّبابي وإطلاق العنان للخيال والحلم ؛ تكون بالتّالي القصيدة تختزل في دلالة عاطفية محضة وهي المرغوبة فيها في الوقت الّذي يجتمع الكلّ فيه في هذا المشهد للإستمتاع والمؤانسة ؛ وقد اخترت قصيدة في ألبوم مجموعة أرشاش الغنائية العصرية وهي بالمناسبة أغلب أعضائها من منطقة إيسافن . قصيدة من شريط صوتيّ ربّما تاريخ صدوره شتاء 1985 أو أقلّ أو أكثر بقليل . وهي قصيدة معبّرة أنقلها - بالحرف العربي - كما أنشدها رئيس المجموعة علي شوهاد أو كما يحبّ أن يسمّي نفسه " مولاي علي " وسأترجم معانيها بالعربية بعد ذلك :


الأوّل


-1 ------------------


أتامّنت نوجّيك نكّاميكم


أور ءيلّي بلا تين ءيغرّافنْ


أماضون نفلت ءيكن غ الفراشْ


ءيشّاكيس يان ءوضاض ءيصرّفْ


-2---------------


تامونت نفربّي كومّيخكنتْ


واكيوان داينّا كيك إكسا


-3----------------


إدّا مارس أيفّوغ أتيزوا


أتاسلت ءور تيدّ إيكّا ءوفوسْ


-4----------------


تادارت ءيغتّيد إيكّا ءوفوسْ


أسفار نميت ءاكّيس ءيفلْ


الثأني


كيخ ءيفريك ءيتدّارت ءاد تهنّاخْ


إميل ءيكرود لاّن ءيد واش زكرناسْ


1------------------------


ءيغ ءوكان كاودّي ءاياسمون تهنّت


تجّيماخ كا غيكاد ءورّيخ الدّوا نيان


2 -----------------------


ءاتامّنت داقجليخ غسّا غكم ءوفيخ


ءيقناخد ءوسفار لخيار دكميّن


ءاكّيم نشْ يان ءوضاض نمّت نغ ْذرْخْ


جاءت هذه القصيدة في الشّريط على أنّها قصيدة واحدة وبهذا يوحي مضمونها الواحد ولكن لم تكن بناء على نسق واحد ، بل على نسقين إثنين الأوّل يتضمّنه المقطع الأوّل والثّاني ينبني عليه المقطع الثّاني . وسأقطّع شطرين من الجزئين بواسطة القاعدة الفراهيدية (نظام الحركة والسّكون) .


الأوّل :


الــلايــل أيــلا دَاليــلي


---00/ - 00-/ - 0 -0-0


الثّاني :


الـلـيـل أيـلا لـيـلـْدْلاّ لـي


---00 / -00-0 / -0- 00 - 0- 0


وقد قلت في الجزء الاوّل من هذا البحث ، أنّ الحركة والسّكون يكادان يشكّلان القاعدة في أنساق الشّعر الأمازيغي ؛ لكنّ الثأبت أنّ الحركة والدّال المحورية هما اللّذان يحرّكان النّظام الدّاخلي للشّطر والسّكون يبقى رهينة الإيقاع . ففي الأوّل حركات اللّيللة الأخيرة 3 بينما الثّاني ليللاته 4 والدّال المحوريّة في الأوّل منصوبة وأمامها ساكن بينما في الثّاني ساكنة وأمامه حركة.و للتّحرّي بأكبر قدر من الدّقة نتوصّل على أنّ أوزان تامسّوست متنوّعة ومتعدّدة ولا سبيل لذكرها هنا كلّها ، بينما وزن الدّرست وزن واحد بالرّغم من أنّ هناك أعمال تجريبية شبابية تريد إقحام أوزان جديدة لم تكن أصلا في الموروث الشّعري الأمازيغي وهذا بالضّبط ماحدث في الشّعر العربي في مراحل تقعيده الأولى . هذا بالنّسبة للشّكل أمّا المضمون فنترجمه كالتّالي :


الأوّل :


ياعسل النّحل ، إنّا افتقدناك .


فلم نكد نعثر إلاّ على عسل العُلب .


ها نحن وصفناه لمريضنا الممدّد على الفراش ؛


ولمّا تفقّدناه ، وجدناه قد فارق الحياة .


--------------


أيّتها المَحبّة الخالصة ،إنّا فتقدناك .


فكلّ ، وبماذا يتربّص فيك .


---------------


هاهو مارس قد شارف على لفظ أنفاسه ؛


والسّلة ( خليّة النّحل ) مازالت تنتظر اليد الّتي ستُمدّ إليها .


--------------


لكن ، السّلّة الّتي مُدّت إليها اليد ؛


نبّئوني ، أيّ دواء أنتظر منها ؟


-------------


حصّنت السّلال بسور من أشواك حتّى أهنأ أخيرا ؛


لكن هناك دائما من يتخطاه .


الثّاني :


-------------


إذا كنت أيّها الحبيب قد سعدت بحياتك الجديدة ؛


فدعني هكذا ، فلست أشحذ دواء من أحد .


--------------


ليكن حقّا أيّها الحبيب ، أنّك الآن بين أحضاني ،


أنت خير دواء أتمنّاه


فحتما سأتناول منك أصبعا واحدا ثمّ بعد ذلك عشتُ أم متّ ُ ؟، لا يهمّ .

لكن لنبحث عن خلفيات وأسباب أخرى تفسّر هذا الهوس المنقطع النّظير بأحواش النّسائي في كلّ من تاكموت وإيسافن ، فهذه الحفلات الأحواشية النّسائية والّتي تقام في أجواء مفتوحة لم تكن أبدا بريئة و لم يكن الهدف منها فرجويّا محضا كما يتصور البعض أو كما يبدو للزّوار خاصة للوهلة ، لكنّه كان ضرورة إجتماعية واقتصاديّة بالأساس ، لمنطقة معزولة بالكامل طوال السّنة ؛ فكان تدفـّق السّياح ( أعني فقط الوافدين من المناطق المجاورة ) من للفرجة الأحواشية وخاصّة في المواسم السّنوية والمناسبات يحرّك عجلة الإقتصاد المحلّي ويخلق فرص عمل ومداخيل من ازدهار الصّناعات اليدويّة التّقليديّة المحلّية بالرّغم من أنّها محدودة في سيولة نقدية لأيّام بعدد أصابع اليد ، إلى أنّها تضفي على الجوّ العام للمنطقة إرتياحا يدوم لفترة أطول قبل حلول الموسم التّالي ؛ أمّا الجانب الإجتماعي فالفرجة الأحواشية النّسائية تحلّ عقدة العنوسة لدى الفتيات حيث تتزوّج بعضهنّ ويحصلن على بيت من زوارأ وأجانب وهو ما لم يكن تنتظره هذه الفتيات ، ولم يكن في استطاعتهنّ أن يحصلن على أقلّ من هذا لوأنّهنّ لم يتحمّلن الرّقص أمام الجميع . وقد عايشت حالات عديدة ولديّ أصدقاء تزوّجوا من تاكموت وإيسافن واستقرّوا ولديهم أولاد لكنّ الغريب أنّ أغلب أصدقائي هؤلاء ، سدّت ابواب الزّواج أمامهم في قراهم - لأسباب لا سبيل لذكرها - فوجدوا هناك أحضانا تنتظرهم بالتّرحاب ودون شروط وبسهولة تثير في بعض الأحيان تساؤلات عديدة ، لكنّها آخر المطاف عمليّة عرض وطلب. وقد سمعت من كثير من النّاس ان أجداد سكان هاتين البلدتين هم من إخترعوا هذه المواسم وأطلقوا العنان لبناتهم حتّى لا يصبحن عرضة للعنوسة والبوار وهو ما لا تتمناه أية فتاة ، وقد يصبح كابوسا يطاردها طال العمر أو قصر ، لكن في أحسن الأحوال كلّ هذه الأقوال والرّوايات تبقى احتمالا ولا تعدّ مرجعا علميّا حقيقيا ، وقد لا نعني بسردنا لها النّيل من بلدة ( إيسافن ) الّتي أفتخر أنّ أجدادي نزحوا منها إلى طاطا في القرن ماقبل الماضي وكنّا نصل الرّحم فيها إلى ماقبل سنوات معدودة ؛ لكنّ تجدر الإشارة إلى كون أيّ باحث في ثقافة ما لم تدوّن أصلا قد يُجرّ أحيانا إلى تبنّي تحليل الرّوايات المختلفة سماعيا أو معاينة المشهد أحيانا لتغطية تداعيات أيّ سؤال تصعب الإجابة عليه ، وفي حالتي وكشاهد عيان وعن قرب لفترة من فترات تاريخ هذه المناطق الّتي اخترتها ضمن إطار بحثي ، لم تخنّ الذّاكرة يوما رغم تباعد الفترة (20سنة تقريبا ) وقد حاولت البقاء بعيدا- ما استطعت- عن الحساسيات لكون البحث الصّريح والنّقل الموضوعي لخبايا الثقافة الشّعبية ومكوّناتها في مناطق مهمّشة والّتي تعتبرها كلّ ماتملك ، يقتضي المغامرة أحيانا بعيدا عن الذّاتية وتّحلّيا بالموضوعيّة ...../


1- الشّفاهي المحكي

والشّفاهي المحكي هو الإبداع غير الشّعري في الأدب الأمازيغي ، ولعلّه لا يقلّ أهمّية من الشّعر كونه لا ينتظر مناسبة حتّى يسرق اهتمام المتلقي ؛ وكونه كذلك غير محبوك يصعب على المتلقّي رصد مضمونه ؛ وكونه كذلك وسيلة لملء الفراغ سواء أكان ذلك في جلسات السّمر أو في وضح النّهار في التّجمعات العائلية أو أثناء العمل إلى آخ.. وهناك من المحكي ما يمكن أن ندرجه ضمن ما يسمّى بالرّواية الّتي يستغرق سردها ساعات أو أيّاما ؛ حيث يِؤجّل السّارد فصولها المرتّبة بعناية ويعد متلقيه بالمتابعة آجلا أو عاجلا في مكان يختاره ، أو المكان الّذي بدأ فيه فصولها . وأمكنة سرد مثل هذه الرّوايات عديدة كأبواب المنازل وقرب العين وفي المناسبات . وتسرد النّساء على بعضهنّ وعلى الفتيات ، بينما الرّجال كذلك يسردون رواياتهم على الشّباب وينتقون المشاهد الشّفوية أكثر إيثارة ودهشة بعناية ؛ حيث يفصلون المشهد المسرود عن المؤجّل في نقطة تجعل المتلقي ينتظر للغد الأحداث المبتورة كاملة بشغف كبير تماما كما يقع في المسلسلات التّليفزيونية الحالية . وقد شكّلت الحكايات الشّفاهية في فترة ماقبل انتشار التّليفزيون وانفجار السّمعي البصري عنصرا مهمّا لملء الفراغ والإستمتاع بالمتخيّل الشّعبي . ومن هذه الرّوايات الطّويلة المشهورة في كلّ ربوع سوس- وليس في طاطا حصرا - رواية حـْمّو أونـَميرْ (1) والّتي تدور أحداثها في عالم مفترض ، وملخّصها ترجمة من الأمازيغية أنّ حمّو أونمير والّذي تربّى في حضن أسرة محافظة ، سقط في شراك حبّ جنّية جميلة ، وكان من شروط حبيبته هو بقاؤها زوجة سرّية وألاّ يخبر أحدا بذلك ، لكنّ أم حمّو أو نمير فطنت لذلك وطردت الجنّية العاشقة من حضنه ؛ فهجرته إلى السّماوات العلا لكنّ حمّو لم ييأس لذلك بل إستأجر نسرا عظيما وتتبّع أثرها قاطعا المسافات بين سماء وسماء حتّى عثر عليها أميرة في قصر فاخر ؛ وهناك وضعت الجنّية " ميريهاندا " أمامه شروطا جديدة كي تبقى وفيّة له مرّة ثانية ؛ وكان الشّرط الوحيد : ألا يطلّ أبدا من نافذة في حجرة من حجرات القصر حدّدتها له ؛ لكن هذه المرّة خان حمّو تعهّداته ، ففتح النّافذة . لمّا أطلّ منها كان هناك مشهد مثير أمامه : من علياء السّماوات رأى أمّه تستجدي من يذبح لها أضحية العيد وهي تقول : إيه ، لو كان حمّو حيّا ما طلبت من أحد شيئا ، أين أنت ياحمّو ؟، أين أنت ياحمّو ؟ فألقى إليها حمّو بسيفه لكنّه تأكّد من عدم وصوله ؛ فلم يتمالك إلاّ وهويرمي بنفسه من فوق سبع سماوات ؛ فلم يصل الأرض إلاّ وهو فتات من اللّحم والعظم . وغيرهذه كثيرة . ومن المحكي الشّفاهي ، القصص القصيرة والّتي تنتهي في جلسة واحدة وتسمّى : إيمييـْنْ(2) وهي قصص خاصّة بالسّمر اللّيلي ومنها قصة أخساس أكاشور التي تحكي قصّة مولود من إمرأة يشبه روثة شاة لصغر حجمه يحلّ في أجساد النّاس و الحيوانات الأخرى فتجنّ هذه المخلوقات ، وتأتي بأفعال عجيبة وغريبة وتخصّ إيميّنْ الأطفال من الإناث والذّكور. وهناك قصص كثيرة قصيرة وطويلة تندرج في هذا الإطار ، وتحكى بطريقة لا تخلو من التيمات الإبداعية والأساليب البديعية الّتي تحاكي القصّ السّردي في الثّقافات العالمة العالميّة .ومن الحكي ما يتجلّى في بعض الحكايات والّتي تغلّف بالأسطورة الواقعية ، يؤلّفها بعض العامّة لاستدراج بعض العقول السّاذجة من المستمعين الكبار والصّغار ؛ حيث يجعل السّارد من نفسه بطل الحكاية بامتياز فيسردها بدقّة متناهية ، ويمزج الأحداث بين ما هو ممكن ومستحيل ، يختار الزّمان بعينه والمكان بتجلّياته المحدّدة وشخصيات معروفة عند الجميع ثمّ يبدأ في نسج خيوط الحكاية / اللّعبة ، لخلق إشكال لدى المتلقّي الصّغير والّذي ينبهر بالمتخيّل والخارق ؛ وفي أكادير الهناء تندرج هذه الحكايات ضمن مايسمّى محلّيا : "لـْفـْشوشْ نْ بّا أو عْمّي" أو تمثّلات وأكاذيب السّيّد أوعمّي (3)، وينسبون هذه الحكايات إلى رجل إسمه أوعمّي وهو ساردها وبطلها ، أسرد منها بعضا منها مترجمة من الأمازيغيّة إلى العربية : الأولى : ذات صباح فاجأتني زوجتي بمخاضها الّذي لم يدم طويلا ؛ حتّى بشّرتني بمولود ينضاف إلى قائمة الأفواه الّتي لا أجد ما أكمّمها به ؛ فلا دقيق ولا زيت و لاسكّر ولاخضر ناهيك عن اللّحم في بيتي ؛ لكنّي رغم ذلك ، تظاهرت أمام زوجتي بالإنشراح عبر ابتسامة ذابلة ماكرة صنّعها فمي وأنا أدرك أنّ الّذي ينتظرني فوق طاقتي ؛ كان جيبي فارغا ولا أملك حينها أيّ ستنيم لأواجه به مصاريف يوم واحد ناهيك عن أسبوع كامل من توافد المبشّرين بالمولود الجديد ، فماذا عن حفل العقيقة ؟ كان صباحا حزينا ، لكنّي اتّكلت على الله ، وخرجت أبحث لمشكلتي عن مخرج . وقفت خارج أسوار البلدة أفكّر في شيء .مرّرت بذهني كلّ الإحتمالات وكلّ الحلول المناسبة لكنّي عجزت ، وتملكّني اليأس وكادت همّتي تفتر . وبينما أنا كذلك ، إذ هبّت عاصفة ريح قويّة ، أثارت النّقع والغبار فغطّيت بكفّيّ عيناي منعا لإصابتي بالعمى من جرّاء الأتربة المتطايرة؛ ثمّ لمّا هدأت العاصفة فتحتهما . وكم كانت دهشتي حين رأيت ورقة مالية من فئة مائة درهم تعبث بها الرّيح ، ومائة درهم آنذاك تساوي ألف درهم الآن ؛ودون تردّد إرتميت عليها كما يرتمي حرّاس المرمى على كرة وشيكة الدّخول إلى المرمى . أخذتها وقبّلتها وحمدت الله ، وانطلقت إلى السّوق فتبضّعت ما لذّ وطاب وانقشعت الغمّة في الحال ..


الثّانية : ذات يوم خميس ، وكان يوم السوق الأسبوعي ، استفقت من حلم جميل كان يذغدغ أناي الدّاخلية ووجدتني أمام واقع مرّ ، فأمامي أسبوع كامل بلياليه ونهاراته وساعاته بدون مصروف حتّى ولو كان درهما واحدا ؛ فكيف سيكون حال زوجتي وأبنائي وأنا لا أستطيع أن أستجدي أحدا، ولا أستطيع أن أسرق كي أسدّ رمق أسرة بكاملها تعوّل على ما أسترزقه من عمل كنت طردت منه لأشهر خلت . خرجت منهارا من المنزل و أنا أتّكل على اللّه أخذت القفّة وغادرت مسرعا ؛ قاصدا السّوق ضمن جماعة من أهل الدّوار شاركتهم الطريق الّذي يبعد عشر كيلومترات ، وفي وسط الطّريق جاءت سيّارة فأستقلّها مرافقي وعندما هممت بالرّكوب فاجئني السّائق بعدم توفره على مكان شاغر فاعتذر إليّ وانطلق ؛ فأحسست باحتقار شديد لنفسي ، وأخذت منّي الهموم والوساوس كلّ مأخذ ، وتابعت طريقي إلى السّوق منكس الرّأس ؛ كلّما أرغب فيه هو أن تدوسني سيارة وأنتهي من كابوسي المزعج . وقبل وصولي السّوق بكيلو متر واحد وقع نظري فجأة على قطعة نقديّة نحاسية من فئة عشرسنتيمات أخذتها ثمّ تردّدت في رميها ، جانبا لكن وأنا أخطوالخطوة تلو الأخرى ربّما كانت عشر خطوات وجدت قطعة نقديّة من فئة عشرين سنتيما ثمّ قطعة أخرى من فئة خمسين سنتيما ثمّ قطعة أخرى من فئة درهم واحد ثمّ ورقة مالية من فئة خمسة دراهم ثمّ ورقة من فئة عشرة دراهم ؛ فكلّما خطوت أربع خطوات كانت الأوراق المالية تزداد قيمتها إلى أن وجدت ورقة مالية من فئة مائة درهم فتساءلت مع نفسي ماذا بعد ؟ لكنّي بعد أمتار من السّوق وجدت كيسا مليئا بالأوراق المالية ؛ أطبقت عليه بقوّة ثمّ أودعته عند تاجر بادّعائي أنّه تبن ؛ تبّضعت من السّوق دون أن أبدي للنّاظرين إليّ أيّ شعور بفرحة تتفجّر في داخلي كالبركان ؛ ثمّ عدت أدراجي . أخدت أمانتي الّتي أودعتها عند التّاجر ومضيت إلى منزلي وقد فكّت كلّ مشاكلي وإلى الأبد .


2- الشّفاهي الأسطوري(4) 

كغيرها من الثّقافات الموغلة في القدم ، فالثقافة الشّعبية الأمازيغية المغربية عموما وفي سوس –طاطا على الخصوص ، تحتفظ بموروث ضخم من الأساطير متشعبّ في كلّ الفنون التّعبيرية الشّفويّة ، يصعب احتواؤه في بحث لايتناوله مستقلاّ . كما أنّ للأسطورة حضور دائم في الحياة اليوميّة لسكان أكادير الهناء ككل المجتعات الّتي لا تستطيع إيجاد مخرج لها من ضغوطات الإعتقادات الميتودية السّائدة ؛ وإن كنت اقتصرت في بحثي هذا على دوار أكادير الهناء ، فلكونه الأكثر كثافة على صعيد طاطا ، وقرب الدّواوير من بعضها ، يجعلها تشترك في معظم مكوّنات الثّقافة الشّعبية المحلّية ؛ أمّا الأمّية التّي تترعرع بين كلّ طبقات المجتمع ، فتجعل الأسطورة تنتعش وتوسّع نفوذها وتبسط سيادتها في الذّهنية العامّة للسّكّان . ففي السّبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي كانت كلّ الأساطير الّتي سأوردها لاحقا من عناصر الحياة اليومية ، ولم يطرأ أيّ تغيير في ذهنيّة عامّة السّكان إلاّ في بداية القرن الحالي لأسباب موضوعية : منها توسيع التّعليم وانفتاح المنطقة على أساليب الحياة العصرية بامتداداتها المختلفة .

والعجيب الطّريف في جلّ أساطير أكادير الهناء ، أنّها لا تكتفي بكونها متوارثة تُحكى بطريقة موضوعيّة تحتفظ فيها الأسطورة بعناصر الحكائي المعروفة في الحكي المتوارث ، حيث يتبّث الرّاوي الأصلي بالعنعنة المتسلسلة ، أو على الأقلّ أن تبتدئ ب : يحكى أنّ .... وكذلك لا تحتفظ بعنصري الزّمان والمكان الّذي حدثت فيه ، وإنّما الذي تحتفظ به ، هو جوهرها فقط وحبكتها الجذّابة وغرائبيتها الّتي تنتهك أبسط قواعد الإدراك والمنطق ، و الفهم للمتلقّي ، بغضّ النّظر عن أنّها تخرق أبسط نواميس الواقع الموضوعية . وكي تحصل الأسطورة على واقعيّتها وتـُزكّى لدى المتلقّي، يَعمد بعض الرّواة إلى وقف أحداث الأسطورة / الحكاية ، على من تزكّيه العامّة إمّا فقيها محترما أو بعض الرّجال الّذين يشهد لهم بالصّدق والنّزاهة ؛ وفي أحسن الأحوال يتعمّد الرّاوي وقف أحداث الأسطورة على نفسه ، وينقل عنه المستمعون إلى آخرين فيصبح بطلا في الذّاكرة التّاريخية للعامّة .
وسأسرد بعض الأساطير المتمكّنة في الذّهنية العامّة وهي في كلّ الأحوال معتقدات تورث أبا عن جدّ :
- أضار ن واييس ( بمعنى ِرجْلُ الحصان ) هذا الإسم يرتبط بمكان شمال أكادير الهناءغير بعيد عنه ، وهي منطقة جبلية يعتقد السّكّان أنّ الخليفة الرّاشدي الرّابع علي بن أبي طالب مرّ منها بحصانه وترك هناك أثر حافر حصانه. وهي حفرة حجرية تشبه أثرحافر الحصان ..

- النـّــْقابْ نْ سيدنا علي ( ثقب سيّدنا علي ) وهو في أعلى جبل شمال الدّوار كذلك وبعيد شيئا ما عنه . بأعلى الجبل صخرة كبيرة بها ثقب ؛ يعتقد السّكّان منذ زمن بعيد أنّ سيّدنا علي ، وهو نفس بطل الأسطورة السّابقة أنّه عند مروره بسرعة كبيرة على الجبل ، إصطدم بالصخرة الكبيرة ، لكنّها لم تمنعه من الإستمرار وعوض أن يلتفّ حولها إخترقها بحصانه ..

- تـَسْردُونـْتْ إيسْمْضـَالْ ( بغلة المقابر ) يعتقد بها بعض عامّة النّاس ؛ وللإشارة فالإعتقاد بها لا يقتصر على منطقة طاطا فقط بل في مجموع مناطق سوس . هذه الأسطورة تقول بوجود بغلة تخرج من المقابر ليلا ، وتسيح في الأزقّة ؛ حتّى أنّ البعض أكّدوا سماع وقع حوافرها ، بل لا يجد البعض حرجا من القول أنّهم رأوها أكان ليلا أونهارا بيضاء تسير بسرعة البرق ولا تثير نقعا يذكر .


- الإستسقاء . عندما يتأخّر نزول المطر و يحلّ الجفاف ويستبدّ القفر في كلّ مكان ، يعمد بعض فقهاء الدّوار إلى تعليق لوح مكتوب بالصّمخ ، على عمود خشبيّ يمتدّ عاليا فوق سطح الزّاوية المشرفة على السّاحة العمومية ، حتّى لتبدو ظاهرة للجميع . هذا اللّوح فيه إستغاثة وتوسّل إلى الله كي يعجّل بغيثه لعباده وأرضه وبهيمته . ويكتب اللّوح شعرا وبعض الآيات . وقد سمعنا تأكيدات حال كنّا نعيش تلك الظّروف أنّ المطر يأتي بعد ذلك دون تأخّر .. والعكس كذلك صحيحا أنّ المطر حين ينزل بطريقة لا يطيقها أهل الدّوار، وخاصّة إذا كان المطر لا يتوقّف نهارا وليلا ، وهذا ناذر جدّا ، فيعلّق اللّوح كذلك ويتمّ فيه التّوسّل إلى اللّه بوقف غضبه ..وقد كنت شاهداعلى هذا أواخر السّبعينيات من القرن الماضي .

- خُوشّي وهي أسطورة عريقة في القدم. ويقابلها في الثّقافة الشّعبية العربية أسطورة الغول الّذي يحتفظ بهيئته البشريّة بينما أعضاؤه حيوانية بقرنين ووجه بشع ، عادة ما يخيف بها الأباء أطفالهم حتّى يمنعونهم من الخروج ليلا : أومن دخول بعض الأماكن الّتي لا يريدونهم أن يلجوا إليها ...


- الشّيطان وهذه شائعة في المنطقة ومحيطها ، وكلّ يدّعي أنّها وقعت في زمانه وفي قريته ، ويجعل بطلها واحدا من أهله أو أحد أقاربه . مؤدّاها أنّ رجلا صالحا كان يقصد المسجد البعيد عن منزله لأداء صلاة الجمعة ، لكنّه ذات يوم جمعة ، وفي وسط الطّريق ، أوقفه رجل فجأة وكان يعرفه معرفة الأخ لأخيه ، فسأله الأخير إن كان يقصد المسجد الفلاني ، فأجابه الرجل الصّالح بالإيجاب ، لكنّ الشّخص الثّاني نبّهه إلى فوات أوان وقت الصّلاة وأنّ النّاس قد عادوا للتّو إلى منازلهم ؛ لم يجد الرّجل الصألح بدّا من الرّجوع أدراجه دون أن يكون قد خامره شكّ في ما قاله الشّخص . الجمعة الثّانية والثّالثة وربّما الرّابعة ، ونفس المشهد يعيد نفسه ويتكرّر . إلاّ أنّه ذات يوم سوق ، إلتقى الرّجل الصّالح بإمامَ المسجد الّذي تقام فيه الجمعة وحدّثه عن قلقه عليه لغيابه المتكرّر، ومن خوفه من أن يكون قد أصابه مكروه . أجابه الفقيه الصّالح وحدّثه بالواقعة . لكنّ إمام المسجد نفى أن يكون قد غيّر وقت صلاة الجمعة ، وأنّ الّذي يتربّص به لم يكن إلاّ شيطانا على هيئة إنسان . إندهش الرّجل الصّالح عندما التقى بالشّخص الّذي يدّعي أنّه يحول بينه وبين صلوات الجمعة ونفى له أن يكون هو من يترصّده . في الجمعة التّالية وعندما كان الرّجل الصّالح في طريقه إلى صلاة الجمعة ، كان له الشّخص نفسه بالمرصاد ؛ فما كان من الرّجل الصّالح إلاّ أن استلّ سوطا وأشبع الشّخص - الّذي في هيئة شيطان - الضّرب إلى أن بدأ يستغيث ثمّ تبخّر كأن لم يكن ، وتابع الرّجل الصّالح طريقه إلى صلاة الجمعة الّتي كان وقتها قد حان ....


- أيت سيدي بدر : أسطورة متداولة بالدّوار ويؤمن بها الكثير من العامّة ، مؤدّاها أنّ رجال بيضا بأقمصة بيضاء ، كأنّ في وجوههم نورا على أحصنة بيضاء ، عادة ما تسيح وتجول في أزقّة الدّوار بعد منتصف اللّيل ، وخاصّة في اللّيالي الّتي يكتمل فيها القمر بدرا ، وقد تحيّي من تلتقيه في أيّ زقاق من أزقة الدّوّار ؛ وقد سمعت أحد أساتذتي حين كنت في المرحلة الإبتدائية يتحدّث بفخر عن أنّه كان شاهد عيان ذات ليلة ، حين فاجأته قافلة من أحصنة بيضاء عليها رجال كأنّهم ملائكة فحيّوه بأيديهم وانطلقوا ...


- وجه المَلك يتّخذ هيئة القمر : حين نفي ملك المغرب محمّد الخامس سنة 1953 إلى مدغشقر، كان المواطنون المغاربة جدّ قلقين وخائفين على حياته ، ورفضوا أن يحتلّ أيّا كان عرشه ؛ ومع مرور الزّمن على نفيه ، شكّـل له المغاربة ومنهم سكّان أكادير الهناء صورة بالغة القداسة ، وصلت إلى حدّ إعتقادهم أنّ جميع ما يصيب فرنسا في بلدها وفي المغرب وهي المستعمِرة الظّالمة هي من نتائج خلع محمد الخامس الملك الشّرعي ، وحتّى أنّ بعض العواصف وأشهر سنوات الجفاف الّتي أصابت المغرب ، كان نتيجة تهاون المغاربة في الإحتفاظ بملكهم ، وهو رمز العرش والسّيادة ؛ لكن هذه الإعتقادات إرتفع سقفها إلى إعتقاد أن الملك تجلّى وسيتجلّى في القمر إلى حين عودته وهو مادفع بسكّان أكادير الهناء إلى النّظر في القمر لساعات طوال كي يتملّوا بوجه ملكهم المنفيّ ، ويتحدّثون عن قسمات وجهه في أفراحه وأحزانه في المنفى في تضاريس القمر .


- "هـْرَا " نْ أيْتْ يديرْ : هناك بعض الأساطير التّي ترتبط ببعض العائلات الكبيرة في أكادير الهناء . ولأنّني أنتمي إلى بعضها وهي عائلة أيت يـِدير ، فإنّني لم أومن بالأسطورة إلاّ من حيث هي أسطورة تبناها الأجداد كحكاية واقعيّة لغرض في نفس يعقوب . ف هرا ن أيت يدير كلمات مركبة من" هرا "وهي إسم امرأة مجزأ من الإسم " زهرة " وتنتمي إلى عائلة " أيت يدير "في حقبة من الحقب ، عاشت ثمّ رحلت في مرحلة معيّنة ربّما استثنائية ، ما جعل روحها حاضر في العائلة على مدى امتداد نسلها وتكاثره ؛ وتحضر " هرا " روحا ً ، عادة في المناسبات الإحتفالية والجنائزية بشكل من الأشكال . في المناسبات : الأعراس ، العقيقة وغيرها . تحضر "هرا " فتساعد العائلة بشكل ما ، حتّى يمرّ الإحتفال بشكل عادي أو في أحسن تجلّياته ؛ في الصّيف عندما يتزوّج فرد من أفراد العائلة ، فالظّروف تصبح ملائمة ، حيث تعتقد العائلة أنّ الحرارة منخفضة إلى الإعتدال وفي الشّتاء ترتفع الحرارة وتتوقّف العواصف المرتقبة وينزل المطر مطرا نافعا لا لشيء إلاّ لأنّ فردا من أفراد العائلة تزوّج أو ولد له ولد . وفي جنازة العائلة تحدث العواصف ويرتفع الغبار والنّقع إشارة من" هرا " أنّها تشارك أفراد العائلة في أفراحهم وأحزانهم ، والعائلة تؤمن به ولا تناقشه .


- "إبنْ عـْلي " ن أيت مبارك : إبن عـْلي فرد من أفراد عائلة أيت مبارك في حقبة من الحقب ويشبه وضعه وضع " هرا " في الأسطورة السّابقة ، وكذلك حضور روحه لتشارك عائلة أيت مبارك أفراحها وأحزانها ؛ وابن علي عادة ما يساعد العائلة في بعض أعمالها وخاصّة وقت الحصاد والدّرس.و"طاطا " معروفة أثناء فصل الصّيف بارتفاع درجة الحرارة إلى حدود مافوق °55 وبالتّالي تنقطع الرّياح الّتي تساعد في ذرو المحصول من الشّعير أو القمح . ويتدخّل ابن علي في اعتقاد العائلة في إزجاء الرّياح حتّى تتمّ عملية ذرو الزّرع وفصله عن التّبن في ظروف عادية ، حتّى أنّ سكّان أكادير الهناء ينتهزون فرصة ذرو عائلة أيت مبارك لمحصولها ، فتذري بدورها وفي نفس الوقت .


- عيشة قنديشة : وهي أسطورة شائعة في كلّ مناطق المغرب بدون استثناء وربّما تجاوزته إلى أقطار أخرى عربية وغيرها ، وإن كانت بعض الإستثناءات في طريقة تناول الأسطورة . مؤدّى الأسطورة أنّ عائشة قنديشة روح شرّيرة يعتقد سكّان الدّوار أنّها تخرج ليلا أونهارا في الأماكن الخالية كي ترعب إلى حدّ الموت من تصادفه ، وهناك بعض النّاس الرّجال أوالنّساء منهم الّذين لا يتورّعون في القول أنّهم رأوها أي عائشة قنديشة في هيئة إمرأة في مقتبل العمر أو إمرأة عجوز تمرّ بسرعة أمامه وهي تجرّ أسمالا بالية بوجه مخيف ومرعب ...وتحت عنوان " عايشة قنديشة في الخيال المغربي " كتب يوسف احنانة :« على أنّ الجميع ( ويعني المغاربة الّذين يعتقدون بهذه الأسطورة ) يجمع على أنّ عايشة قنديشة فتاة جنّية تظهر في المروج وفي الوديان وقرب الأنهار وبجانب الآبار وعلى شواطئ البحار، الّتي تصبّ فيها أنهار؛ وإنّ وقت ظهورها يكون في الغالب ليلا ؛ لكنّ الصّورة الّتي يقدّمونها تختلف ، فهناك من يقدّمها عل أنّها فتاة ممشوقة القوام ولها شعر أسود فاحم يتدلّى كي يصل إلى أرجلها ؛ إلاّ أنّ ما يميّزها كون رجليها رجلي ماعز؛ في حين يصوّرها آخرون على أنّها فتاة جميلة لكنّها بأثداء منتفخة ومتدلّية ، ومنهم من يصوّرها بأرجل آدميّة لكنّ جسدها جسد بهيمة أودابّة غير محدّدة وما إلى ذلك من التّصويرات ..»(5)


وسأسرد باقي الأساطير والمعتقدات مختصرة في ما يلي :
- الإعتقاد بإمكانية الإستشفاء من أمراض مستعصية بالتّضرّع إلى قبر وليّ صالح..
- يعتقد بعض عامّة السّكان بعودة أرواح موتاهم للدّيار بعد دفنها ...
- تعلّـَق التّمائم أو الحروز أو الحجب فوق صدور المواليد الرّضع ، والطّفل الحديث العهد بالختان ، والشّاب الّذي يتأهّب للزّواج ؛ وحتّى بعض النّاس الكبار وخاصّة منهم النّساء ، وكلّ ذلك إعتقادا منهم أنّها تردّ العين والحسد والعكس والثّيقاف ....
- يعتقد بعض السّكان أنّه يمكن للإنسان أن يقوم بأعمال حقيقية ليلا وهو نائم . وبعضهم قد يدّعي أنّه صدّ شخصا معيّنا من إلقاء نفسه بمكان خطير ،وهو يتفاجأ بأنّه نائم ، ومن ثمّ يعيده إلى منزله ، ثمّ حين يستيقظ النّائم ينكر أنّه يتذكّر أيّ شيء ...
- يُعتقد أن الجنّ يسكن الأماكن المبلّلة بالمياه العادمة ومجاري الأنهار البعيدة والمستنقعات ، وقد يُمسّ أحد من طرف الجنّ فيشلّ كلّيا ( ويسمّى محلّيا : التّـْشْيارْ ) أويجنّ أو يموت في الحال ..
- لا يجوز رمي أو إهراق الماء السّاخن وخاصّة المغلي أرضا دون قول : باسم اللّه ..
- الإعتقاد بأنّ أيّ شخص مصاب بشلل كلّي أونصفي ، إنّما كان نتيجة مسّه من طرف الجنّ ؛ ويعزون هذا المسّ إلى اعتداء البشر على ذريّة الجن أو دخولهم أماكن مسكونة في أوقاتّ غير مناسبة كاللّيل مثلا ...
- على الأطفال الّذين ينوون نزع أضراسهم أن يتوجّهوا إلى الشّمس مباشرة بفتح أفواههم ويستحبّ أن يكون ذلك صباحا ً، حتّى إذا نزعهوها يأخذونها بيمناهم باتّجاه الشّمس وينشدون : أيّتها الشّمس إمنحيني ضرس أوسنّ غزالة . ويعتقد أنّه من لم يقل ذلك فلينتظر ناب كلب أو ضرس حمار ..
- الإعتقاد أنّ شرب دماء الضّبّ أو حيوانات معيّنة كالدّجاج والشياه ذوات اللّون الأسود تشفي من أمراض مزمنة كالسّحر ...
- الإيمان بشدّة أن رمي القطط والكلاب السّوداء بالحجارة أو ضربها بالعصا .هو مصدر الشّلل الجزئي أو الكلّي للإنسان ؛ ذلك أنّ النّاس يعتقدون بحلول الجنّ في هذه الحيوانات ليلا .
- يعتقد أن القطط والكلاب لها سبعة أرواح ، فهي لا تموت إلا بصعوبة كبيرة .
- الإعتقاد أنّ بقايا العظام وفتات الأطعمة الّتي يتركها الإنسان بعد الأكل هي وجبات غذاء مفظّلة لدى الجنّ...
- الإعتقاد أنّ القطط تسافر جميعها لحضور يوم عرفة في موسم الحج .
- تدّعي بعض النّساء وحتّى بعض الرّجال أنّه ندم على عدم مدّه فقيراً بمساعدة ممكنة ، حين طرق بابه يوما ؛ حيث اكتشف هو في حلم رآه أو رآه غيره ، أنّ الفقير لم يكون إلاّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أو أحد الصّحابة أو ملك من الملائكة في هيئة بشر. وبالتّالي يستنكف النّاس عن الإعراض بمدّ يد المساعدة لأيّ كان سواء ليلا أونهارا .
- الإعتقاد بوجوب احترام الأماكن التّابعة للمقدّسات الدّينية ، كالمساجد وجميع أوقافها ؛ كالحقول والمدارس القرآنية وفي الحقول التّابعة للمسجد ، حلال على أيّ كان أن يأكل من ثمار النّخيل والأشجار المثمرة قدر ما شاء؛ لكن حرام عليه أن يأخذ معه شيئا. ويفرض احترام القبور وخاصة قبور الأولياء والزّوايا ويُعتقد أنّ من سرق شيئا من هذه الأماكن المقدّسة أو قام بعمل شائن فيها، قد يصيبه مالا تحمد عقباه..
- بالنّسبة لكتاتيب المدارس القرآنية ، لايجوز لطلبة القرآن غسل أو محو ما كتب على ألواحهم من القرآن ب "الصّمخ" أو الصّمح إلاّ بالماء الطّاهر، و في مكان محدّد طاهر؛ ويُستحسن للطّلبة أن يحلـّقوا رؤوسهم دائما ، وحين يكتبون ألواحهم بأقلام مصنوعة من القصب فعادة ما يمسحون ما تبقى من "الصّمخ" برؤوسهم ، وقد يلحسون بألسنتهم هذا المداد الكريه الرّائحة ، والّذي يصنع محلّيا من إحراق صوف الشّاة فوق صفيح ساخن ، يضاف إليه الماء بقدر معيّن ؛ ليحصلوا في الأخير على سائل أسود . كما يظنّ النّاس عامة أنّ المكان الّذي يضربه عصا الفقيه/ الأستاذ في جسم الطّالب لاتلمسه النّار في الآخرة .
- الإعتقاد بوجود عزرائيل وهو المكلّلف بسؤال الموتى في قبورهم .
- الإعتقاد بأنّ أكل نوع من التّراب الطّيني تجلبه النّساء في أمكنة معيّنة في الحقول يمنع حملهنّ ..


3- الشّفاهي الموروث من الحِكَم والأمثال :

في هذا الموروث ما ورد على شكل قصائد أو على شكل شذرات بأقلّ ما يمكن من الكلمات وأدقّها تحديدا للمعنى . وفي الثقافة الشّعبية العربية المغربية تحتفظ الذاكرة الجماعية للمغاربة برجل إسمه عبد الرّحمان المجدوب (6) الّذي ترك ديوان أحكام على شكل قصائد بالزّجل المغربي . وفي الثّقافة الشّعبية الأمازيغية هناك موروث ضخم من الحكم تؤرّخ لتجربة الإنسان الأمازيغي الحياتية على مدى حقب غائرة في القدم . ويأتي سيدي حمّو الطّالب (7) على رأس القائمة يليه الفقيه سيدي خليل(8) وهما الّلذين يعتاد النّاس إلى نسبة بعض الحكم والأمثال إليهما ..وأمّا الشّائع من الحِكَم والأمثال فهي مجهولة المصدر وغالبا فهو مجهود مشترك لأجداد الأمازيغ وعصير تجاربهم الحياتية. وإذا تأمّلنا هذه الحكم والأمثال الشّعبية فمضامين بعضها يشبه بعض مضامين الأمثال العربية وحتّى بعض الأمثال المنسوبة إلى ثقافات عالمية .

بعض هذه الحكم والأمثال مع ترجمة معانيها من الأمازيغيّة إلى العربيّة :


- أمثال سيدي حمّو الطّالب(10) :


- إلاّ واسْ غْ يكّا يانْ إلاّ واسّْ ءان غ ْ ءيقـّايْ


إلأّ واسْ غْ يُوفْ ء ومْدّاكْلْ نـْفْربّي كـْماتُون ْ


الأيّام يومان : يوم تأخذ فيه ، ويوم تعطي فيه .


ويوم يكون صّديقك فيه أرحم من أخيك .


الموتْ شكرْخْتْ ءيربّي لّي كْمْ ءيكانْ دْ لمْلْكْ


مْلا تْكيتْ بنادمْ سْلاّنْ ءيجْميلْنْ غ واوالْ


أحمد اللّه أيّها الموتُ أنّه جعلك مَلـَكا ،ً


لو كنت بشراًَ ، لكانت هناك مساومات ورشاوي .


ءايّيكْمْ ءوريلوحْ ربّي ءاشّاهْوَانو فْ كينّوس ْ


ءيغ توسيخْ ءيكا كينوّسءيغ تنسرس كينوّسْ


زونْدْ يانْ يُوفانْ أمْسْمارْ نْ تـْسيلا جْلُونَاسْ


ءور يادّلّي يوفي ياتْ ءُوراسْ ءيجْلي ياتْ


لا يجعلنّك اللّه ياعشقي تسقط في فخّ إمرأة لئيمة ،


إن صادقتها تبقى لئيمة وإن فارقتها تبقى كذلك ؛


كمن عثر على دابوس حافر حمار ، وافتقده فجأة ،


فهو لم يعثر على شيء أصلا ً، كما أنّه لم يفقد شيئا تماما .


العاقْلْ ءا يّمّْنعانْ ءيغاكْ ءيدروسْ ءوردْ المالْ


ءيمّا المالْ ءيلاّ سورطّال ْ ءيغيادْ ءيعْدْمْ يانْ


فقدان العقل هو ما يجب أن تحسّر عليه ؛ حيث لا يمكن الحصول عليه بأيّ طريقة ،


بينما المال فيمكن أن نقترضه ونحصل عليه بطرق شتّى ..


ءيغْ ءيكْنْ ءورعْمْ ءاتّْ ءيتّْعبارْ يان ءيوالكامُونْسْ


ءيمّا ءيغْ ءارْ ءيسْمْلّيلّيْ ويسّا ءيكنوانْ


وقت قعود الجمل هو الوقت المناسب لوضع اللجام في فمه


أمّا إذا وقف فمن المستحيل القيام بذلك ...



سيدي خليل وأحفظ له شطرين من الحكمة الّتي تمتح من القيم الدّينية بنظرة صوفية صرفة :


الدّونيتْ دْ لـِيخـْرْتْ كا دورينْحَمّالنْ

ءاتنّا تْسالاتْ كا داكْ ءيتْكْمّالْنْ

الدّنيا والآخرة متناقضتان ومستقلّتان

لا يمكن ان تربح إلاّ واحدة منهما ، فأختر لأيّ منهما تريد أن تعمل ..


الأمثال الشّفاهية الأمازيغيّة الشّائعة :


- ءاينّا ءيلاّنْ غ ويدّيدْ أسْ ءيسودّمْ :


كلّ إناء ينضح بما فيه .


- إينّا غ ءيحـْزّ ْمْ "بْرْكـَا " سْ ءيفسّا ءوكـْوّالْ


كلّما استعدّ "برْكـَا "للرّقص يكون أحواش قد إنتهى ... ( بْرْكـا إسم رجل أمازيغي )


- ءيسلاّ كا ءينْقـّْرْ ياويد ْ ءاموسّـو


كلّما سمع نقرا ، يبدأ يرقص ..


- غسّا الدّونيت أزكّا ليخرتْ


اليوم : دنيا ، وغدا آخرة .


- زرْ ءودْمـْنْسْ تْسوتْ ءاغُونْسْ


إذا أردت أن تشرب لبنا من يد أحد ما عليك إلاّ أن تنظر إلى وجهه .


- كلّو راداسْ تْفاقْتْ ءابلا ءيخفنك


كل من يريد أن يخدعك قد يسهل عليك أن تـُخفق محاولاته ، إلاّ إذا كان الخادع نفسُك ..


- ءيكا " واحمانْ " الحديث مشّ ءوراسرسْ ءيقـّايْ


ينصح " واحمان " النّاس وهو لا يعمل بما ينصح به . ( واحمان إسم أمازيغي )


- سناقْس ءبنْكالن أحساينْ


انقص من عدد الأفاعي يا " احساين " وظروف قول هذا المثل مؤدّاه أنّ " احساين " كان يروي حكاية دخوله إلى غابة فهاجمته أفعى ثمّ ثانية ثمّ أفعى ثالثة ثمّ خامسة ؛ إذ ذاك تدخّل أحد السّامعين الحاضرين فقال له أنقص الأفاعي يا " احساين " .


- ملي ماد تمونت ءايك ملخْ ماتكيت


قل لي من ترافق أقول لك من أنت .


- ءورا اتّيني الحباق ْ جّيخْ


لم يقل الحبق أبدا : رائحتي زكيّة .


- ءاينّ ءيكّا ءوغانيم ءار ءيتّيغزيف ْ ءار د ءيكنّو


كلّما ازداد القصب طولا ، يزداد انحناء ً وتقوّسا ً.


- ءافلّوس ءيران السّوق غييض ءاتّ ءيكّرف يان .


الدّيك الّذي ننوي بيعه في السّوق غدا ، علينا ربطه اللّيلة .


- مزّيك ءاغد ءيتّيلي ءوسنّان ءيخف


يكون رأس الشّوك حادّاً منذ فترات نموّه الأولى .


- يان ءيران تامّنت ءيصبر ءيوساقس نتيزّوا .


من أراد العسل فليصبر للسع النّحل .


- يوكرك ءوقشّابنك


قميصك أطول منك .


- أرك ءيزكّور إلسنك


يسبقك لسانك .


- أرتزكّورت الفقيه سْ تمزكيدا .


تسبق الإمام إلى المسجد . ( كناية عمّن يستعجل الأمور قبل أوانها )


- أراك سكارن وامان تاكضيت


بولك يبدأ بحفر أثره على الأرض ( هذا المثل يقال للشّاب عندما يبدأ يفهم الأشياء الكبيرة بالنّسبة لسنّه )


- كراند ءيحجرورن ف ءوغيول


أصبح الحمار بلباس جديد ، الّذي لم يكن إلاّ بردعة في أحسن الأحوال .


- ءيكا دارك ءوزكيف المعروفْ


كانت الحريرة بالنّسبة لك وليمة . ( الحريرة في المغرب وجبة تتناول في رمضان عند الفطور . وهنا الحريرة : يخلط الدّقيق بالماء ثمّ يطهى . وهذا المثل والّذي قبله للتّنذّر والتّهكّم من فرح أحد ما بشيء تافه ولا يستحقّ الإحتفال به )


- مانْ ءيـحّـينْ ءاغْـْنْجا غ التّركَة


من يعدّك أيّتها المِغرَفة ُمن الأواني ؟


- بْدْرْ ءايدي تاسيت ءاكورايْ


أذكر الكلب وجهّز العصا .


- ءافوس مّي ءورتوفيتْ ءاتّْ تبّيتْ تسّودنْتْ


اليد الّتي لا تستطيع قطعها ، قبّلها .


- أرتسروات غ ءوزرو .


انت تحرث في الحجر


- أرتفّيتْ ءامان ف ءوخسايْ


أنت تسكب الماء على القرع . ( القرع نوع من الخضر وهنا إشارة إلى بلادة من يريد سقي القرع فعوض سكب الماء على جذوره يسكب الماء على الثّمرة )


- ءيغ ءيغرا يان ءاد سادمارخ


إذا دعيت فلتكن الإستجابة : نعم ، في الحال .


- عبر تارداست تليت غنصنص.


إذا كان حقّك شبرا فاكتف بنصفه .


- ونّا يوت ءوفوسنس ءاور يالاّ


من صفعته يده فلا يبكي


- زايدْ ءامانْ زايْدْ ءاكـّرْنْ


مادمت تضف ماءً فستضفُ دقيقا . ( الأمر يتعلّق بطهي العصيدة )


- راد كضوخ ءيلْمْنْكْ


سوف أشمّ جلدك . ( وهو تهديد بالضّرب والصّفع واللّكم )


- تجّيت غ دّو ءوحلاسْ


إرتحت إذن تحت البردعة ( وهو تهديد كذلك بالضّرب . ويعنى به الحمار الذّي يظلّ طوال النّهار وعليه بردعة فلا تطاله العصا من حيث تؤذيه ...

سأكتفي بهذا ؛ فهناك العديد من هذه الأمثال غير مدوّنة وتحتاج إلى بحث خاصّ ..


4- الشّفاهي التّنابزي(9)

في المجتمعات الّتي تتعشّش فيها الأمّية ، ويفتقد القيم العلميّة التي تنمّي العقل وتحرّضه على الإنتاج ، تعشوشب فيه قيم ملء الفراغ بالمتاح بكلّ أشكاله ، سواء أكان مباحا أوغير ذلك ، وتتمّ تعبئة الطّاقات لخوض غمار الّذي لا يجدي ، غير أنّه يدخل فيما يسمّى السّباق إلى تقمّص شخصيّة وهميّة قبائليّة أو عائلية أو فرديّة ، لكنّ ذلك ليس في متناول الجميع بل التّنابز بالألقاب له علماؤه ودهاقنة كشف العورات وتتبّع النّواقص ؛ وحتّى إن لم تكن هناك نواقص فإنّ علماء التّنابز ولتجربتهم الطّويلة في هذه المهنة الّتي تروج في محيط بدائيّ الظّواهر، لا يفقدون أبدا وسيلة ما للنّيل من الآخر بابتداع الأسماء والصّفات الّتي تحطّ من قيمته ..

ويندرج هذا الشّكل والّذي يحضر في المعيش اليومي ضمن الثقافي الأمازيغي الّذي يُنبذ كلّيا ظاهريّا ؛ ولا يحسب على الثّقافي الشّعبي . لكنّ الواقع أنّ هذا الشّكل يحتلّ مكانة بكلّ جدارة وله طقوسه في الزّمان والمكان ، قد ينتج صراعات ولكنّه في الوقت نقسه أداة للتّرفيه . وينقسم هذا النّمط من الثّقافي الشّفاهي إلى التّنابزبلألقاب بين القبائل والقرى ، التّنابز بالألقاب بين العائلات ، التنابز بالألقاب بين الأفراد و الأشخاص .


- التّنابز بالألقاب بين القبائل والقرى والدّواوير :


في منطقة طاطا ، تعرّف بعض الدّواوير بغير أسمائها؛ فقد يكون الإسم حيوانا أو شجرا أونباتا أوحتّى حجرا أوترابا ؛ ويرتبط هذا الإسم عادة باهتمام الدّواربهذا الشّيء ؛ وقد يلقّبون دوارا بخُلق أو صفة من صفات تعيفها النّفس البشرية ؛ لكنّ المثير للإهتمام أنّ أهل هذه الدّواوير عادة ما تعتزّ بهذه الأسماء أو الصّفات ، وتحاول جاهدة الكشف عن مميّزاتها النّبيلة الّتي لا توجد في أسماء الدّواوير والقبائل الأخرى.. وسأبدأ بدوار أكادير الهناء موضوع هذا البحث . يسمّي مناوئو هذا الدّوار فردا من سكّانه بالضّبّ ؛ ذلك أنّ سكّانه بارعون في صيد هذا الحيوان الزّاحف بل ويتناولونه في وجباتهم الرّئيسية دون أدنى حرج ، وممّا يتميّز به هذا الحيوان البرّي الصّحراوي ، هو كونه لا يشرب الماء إطلاقا - حسب اعتقادهم - بل ويكتفي بماء النّباتات الذّي يأكلها في الرّبيع والصّيف وما يدّخره طوال أشهر الخريف والشّتاء . وما يميّزه كذلك هو شربه للهواء فاغرا فاه لساعات طوال فوق صخرة بارزة . ويميّزه كذلك أنّه لا يموت لمجرّد ذبحه وسلخه وفصل رأسه عن جسده ، بل يتحتّم على ذابحه أن يمرّر عودا بهيئة سلك فولاذي بطول عشرين سنتيمترا في فتحة عموده الفقري ، يدخله ويخرجه مرارا حتّى تتراخى عضلات الحيوان ومن تمّ يتبيّن موته النّهائي ؛ ومن المجرّب ، أنّه من لم يتّبع هذه الخطوات وينخدع بموت الحيوان فسينتظر أن تقفز وتنطّ أطراف الحيوان المقطّعة داخل الإناء لمجرّد إحساسها بحرارة الموقد ؛ وسيسقط الإناء وتتبعثر أشلاء الحيوان اللّحميّة في كلّ مكان . ويتمّ صيد هذا الحيوان بطرق مختلفة . إمّا التّربّص له بفخّ خاصّ بهذا الحيوان ؛ ولقوّة عضلات هذا الأخير يُعمد إلى ربط الفخّ بحبل متين ؛ ويتمّ الصّيد في أوقات محدّدة وهي ما قبل الظّهيرة بساعة واحدة وما بعدها بساعتين أو ثلاثة وهي أوقات المدّ الحراري . ويصيده المحترفون بحيلة بسيطة ولكنّها في الوقت نفسه تحتاج إلى خبرة طويلة : ذلك أنّ الحيوان عادة ما يخرج من جحره في أوقات اشتداد الحرارة ، ممدّدا جسمه على صخرة بارزة بجلده الخشن ، وذنب يشبه ذنب التّماسيح المائية ، رافعا رأسه إلى أعلى ؛ ولأنّه شديد الخوف فقد يثيره طائر ما أو حيوان آخر من غير فصيلته ، فيسرع دون تردّد إلى الإختباء تحت أيّ صخرة أو ثقب أو جحر قريب ؛ حتّى إذا تيقّن أنّ لا أحد يطارده ، يستمرّ في رياضته اليوميّة أو يغادر إلى جحره الخاص ؛ وهذه الميزة هي ما ينتهزه المحترفون في صيد الضّب البرّي ؛ ففي الخلاء وفي الوقت المحدّد ، ينسلّ الصّيّاد بحذر ويراقب بعينين زائغتين مركّزتي النّظر إلى مشارف الصّخور القريبة والبعيدة مدّ بصره ، حتّى إذا تبيّن له الهدف يستّلّ خرقة من ثوب أسود فيرفعها عاليا ويلوّح بها بسرعة وهو محدّق النّظر في فريسته ؛ وعند مغادرة الضّب لأعلى الصّخرة ، يعلم الصّيّاد يقينا أنّ الضّبّ متوار في مكان قريب ، وهذا ما يحدث في غالب الأحيان فلا يستعمل أيّ أداة للقبض عليه . أمّا الطّريقة الشّائعة فتكمن في إستعمال أدوات معيّنة وهي قضيب حديديّ معقوف في حدّ من حدّيه قد يتعدّى طوله المتر ونصف أو أكثر، ومرآة صغيرة . وقد يحتاج الأمر إلى قضيب حديديّ غليظ وسميك بطول مترين أو أكثر قد يزن 15 كيلو غراما أو أقلّ من ذلك ؛ حين يعثر الصّيّادون على جحر، يدقّقون أوّلا في تفاصيل أثار الحيوان الّذي يسكن الجحر، والّتي تكون واضحة على مشارف مدخله ، حتّى لا يكون جحر ثعبان أو حيّة قاتلة فيصبح الصّيّاد فريسة ، وإذا تبيّن أنّه الهدف المطلوب ، يتمّ كشف الجحر بالمرآة ؛ وعادة مايظهر الضّبّ في انعكاس الشّمس على المرآة ، فيخرج بجرّه بالقضيب الحديديّ المعقوف الحدّ والحادّ ؛ أمّا إذا كان بعيدا فيستعمل الحفر أو إقتلاع ورفع الصّخور الكبيرة بالقضيب الحديديّ السّميك ، والّذي يستعمل كرافعة يدويّة . وقبل أن يسنّ قانون حظر اصطياد هذا الحيوان المهدّد بالإنقراض ؛ تكون غنيمة صيّادي الضّبّ والّذين هم طبعا من سكّان أكادير الهناء بالعشرات تكفيهم لأيّام وأسابيع في إعداد وجباتهم الضّبّية الشّهيّة قبل أن يعاودوا الكرّة . يستغل أهل الدّوار ميزات هذا الحيوان بنحو إيجابيّ ؛يث يدّعون الصّبروقوّة الشّكيمة وأنّهم حتّى وإن هزمهم عدوّهم فإنّهم لا يموتون ، وأغلب الظّنّ أنّ مناوئيهم ؛ لهم رأي آخر . أمّا دوار أكجكال الواقع جنوب أكادير الهناء ، فموقعه الجغرافي الّذي يجعله محاديا للوادي الّذي يضمّ مستنقعات لا تجفّ طوال السّنة ، والّتي تحتوي على حيتان وأسماك فإنّ مناوئيهم يسمّونهم الحيتان أو الأسماك ؛ والّتي تموت بمجرّد خروجها من الماء . وقريب من أكادير الهناء قرية إمغي وهي قرية صغيرة جدّا يسمّى أهلها بالضّفادع لقربها من صهريج تظلّ الضّفادع تنعق فيه طوال اللّيل والنّهار . وفوق أكادير الهناء ببضع كيلو مترات يقع دوّار" ياغورْطْن " ويسمّى أهله كذلك بالضّفادع . وشرق أكادير الهناء يوجد دوّار " تيغـْرْمْت " يسمّى سكّانه باسم إذقـّي وهو بالعربية الخزف حيث تشتهر هذه القرية بصناعة الأواني الخزفيّة ؛ وجنوبا من تيغرمت يوجد دوار باسم " إنـْضْفـِيانْ " ويسمّى سكّانه تهكّما وسخرية بالحمير وواحد منهم حمار وهذا طبعا إسم له دلا لاته الغير المقبولة إطلاقا ، فقد لا يستطيع أحد أن يواجه أحد سكّان هذا الدّوار بهذا الإسم لأنّه فضيع ، وقد يواجه أحد ما جنحة القذف والإهانة . ولكن بعض من هذه العادات القبيحة قد اندثر كلّيا الآن - ومنها هذه - أويكاد لظروف جديدة تعيشها طاطا الآن .. غرب إنضفيان يوجد دوار باسم " أيت ياسين " ويسمّى سكّانه بإفراون وهو سعف النّخيل نظرا لاشتغالهم في صناعة السّلل (ج سلّة) قديما من سعف هذا الشّجر الأصيل وفي دوّار" أديس " جنوبا دائما يسمّى سكّانه ب: إيلاوانْ وهي كلمة أمازيغيّة تعني الكرشة أو مجموع مكوّنات الجهاز الهضمي والتّنفّسي لذبيحة ما ، بقرة كانت أوشاة أوجملا . وأصل تسميتهم بهذا الإسم هو أنّ سكّان " أديس " ( وأديسْ معناه البطن ) يبالغون في تناول " الكرشة " في وجباتهم ويهتمّون بها أصلا ؛ ويأتي اللّحم في وجباتهم الرّئيسية في الدّرجة الثّانية .وجنوب أديس توجد قرية " توك الرّيح ْ " يسمّى واحد من سكّانها ب " تَـَخـْسايـْتْ "وبالعربية : القرع وهو نوع من الخضر تحضّر به وجبة " الكسكس " التّقليديّة المعروفة في المغرب ويشتهر سكّان هذه القرية بإنتاجهم وتناولهم لهذا النّوع من الخضر بكثرة . وجنوب هذه القرية توجد قرية " تييْكان " ويلقّب واحد من سكّانها ب: " أمراس " وهونبات ذومذاق مالح يؤكل طبيعيّا في الخلاء أو يحضّرمن بين خضر الكسكس والمثير في هذا الشّفهي التّنابزي بمنطة طاطا خاصة ما دار و يدور في أرشيف الذّاكرة الجماعية المشتركة لأكادير الهناء وقبيلة تاكموت الواقعة شمالا على بعد 50 كيلو مترا ، حيث مازالوا يحتفظون بنكات وألقاب يقذف بها بعضهم بعضا ؛ غير أنّي سأكتفي بما سجّلته ذاكرتي وتتناقله الألسن حول ما كان يرمي به سكّان اكادير الهناء أهل قبيلة تاكموت من أصناف القول الّذي لم يكن أبدا حقّا ولا حقيقة ولا كان كذبا واضحا ؛ ولكنّه يدخل في إطار إبداع النكت وحكايات مدهشة تجعل سكّان تاكموت كما لو كانوا يعيشون في كوكب آخر .


يروى أنّ رجلا من تاكموت عاد إلى أرض الوطن من فرنسا في سّتّينيات القرن الماضي ، ولدى نزوله مدينة أكادير عاصمة سوس ، فكّر في إحداث مفاجأة ليس لأسرته فقط وإنّما لكلّ ساكنة تاكموت ؛ فابتاع سيارة جديدة من نوع فولسفاكن والّتي تشبه فأرا ؛ فكان بذلك أوّل من يستعدّ لإدخال سيّارة إلى تاكموت . فسار في طريقه وهو مطمئنّ أنّ سنوات عمله مهاجرا في فرنسا قد أثمرت ليس سيّارة ولكن مجدا سيدخله التّاريخ من بابه الواسع . وعند وصوله قرية "إغرم " عرج يسارا متّخذا طريقا جبليا متربا . ويوجد بين " إغرم "وتاكموت ثنيات وتعرجات صخرية كان عليه أن ينزل منها بسيّارته لقطع مسافة بضع كيلومترات تفصله عن قريته . وبعد قطع بضع منعرجات نزولا ، توقّفت سيارته فجأة . خرج منها وفتح واقي الجزء الأمامي للسّيارة كي يتفقّد المحرّك الّذي توقّف عن العمل ، لكنّه إستغرب أنّه لم يجد شيئا ؛ فلم يعدم حيلة ، بل عاد أدراجه يبحث عن محرّك السّيارة الّذي ظنّه سقط أرضا ؛ ففاجاته شاحنة قادمة من إغرم ، سأل الرجل صاحب الشّاحنة إن كان رأى محرك سيارته أثناءسيره ، لكنّ الرّجل ودون أن يجيبه طلب منه أن يعاين السّيارة أوّلا . فاصطحبه الرّجل فلمّا وقف على السّيارة ، وكان يعرف نوعها ؛ قصد الجزء الخلفي للسّيّارة وفتحه ودعا الرّجل فقال له : هاهو المحرّك الّذي تبحث عنه ؛ فدهش الرّجل وقال : إذن قطعت 150 كيلو مترا من أكادير إلى هنا بالسّير العكسي ؛ فبيّن له صاحب الشّاحنة أنّ هذا النّوع من السّيارات محرّكاتها توجد في الخلف وليس في الجزء الأمامي ... / وأهل أكادير الهناء عادة ما يلقّبون أهل تاكموت بأنّهم لا يملكون عقلا كاملا وإنّما رُبُع العقل ، ويدّعون أنّ أدلّتهم على ذلك لا تعدّ ولا تحصى . ومنها : أنه عندما قام مسؤول كبير في زمن قريب من تاريخ البلدة بزيارة عمل على متن سيارات " الإركاط " مصحوبا بوفد هامّ ؛ وعندما وصلوا إلى مقرّ الجماعة المحلّية ، تركوا سياراتهم ، ولمّا تمّت الزّيارة إندهش المسؤول والوفد المرافق له حين وجدوا سياراتهم مربوطة بحبال إلى أشجار قريبة وأمامها التّبن ودلاء من الماء .../ وهناك الكثيرمن النّكت الّتي لا تنتهي وهي في قتامتها للسّخريّة المرحة فحسب...


- التّنابز بالألقاب بين العائلات و الأفراد :

في مجتمع طاطا ككل المجتمعات المتقدّمة منها والمتخلّفة يشكّل التّنابز بالألقاب بين العائلات والأفراد ظاهرة طبيعيّة تضفي على الحياة اليوميّة الصّعبة بعض الدّعابة والإسترخاء المجّانيين . في أكادير الهناء الّذي يقع على هضبة مطلّة على مساحة شاسعة من حقول النّخيل عائلات تستقرّ أعلى الدّوار ويسمّى " أفلاّ ن توكمّ " بمعنى أعلى المنازل ، هذه العائلات يلقّبها غيرهم ب " إيباكيزْنْ " معناه البخلاء ومن ما يُستهزؤون به ، أنّهم لا يتناولون في أغلب وجباتهم الرّئيسية اليومية سوى " أزْ كـّيفْ " وهو خليط ماء ودقيق شعير يُطهى بسهولة . أمّا التّنابز والسّخرية بين الأفراد فهي شائعة وتحتلّ البون الشّاسع في هذا الثّقافي السّاخر فالسّكّان دو البشرة السّمراء والّذين يسمّون " إيسوقـّين " يسخرون من الآخرين بيض البشرة والّذين يسمّون "إيمازيغن " بأنّهم أجساد من شمع لا يستطيعون مقاومة الشّمس وبالأحرى أن يعملوا تحتها وأنّهم أشباه قشورالطّماطم ولا يملكون إلاّ ضلعا واحدا أمّاهم فهم الأشدّاء ذوو سبعة أضلع . بينما شاعر أبيض يختزل صفاتا مذمومة ويلفّقها للجنس الأسمر ، يقول ساخرا :


أسُوقِيْ دْ أوغْرْضا دْ أوغـْيولْ تـْسْواتـْنّيتْ .


معناه : الأسود والفأر والحمار متساوون تماما .


بينما شاعر أبيض آخر يردّعلى شاعر أسود في معرض مناضرة شعرية :


أتكينت إيلان إيضارن أر تساولمت


معناه : كيف يمكن لقـِدْر مسودّ بالدّخان وله رجلان أن يتكلّم .؟


وقد تتّسع السّخرية لتطال العنصر الواحد . ويبدع الفرد كلّ أصناف الأوصاف لينال من شخصيّة الآخر بأسماء وأوصاف بذيئة تعافها الأسماع وعادة ماتكون بين الشّباب والأطفال؛ وحتى مابين النّساء . ولكنّ ذلك لا يخرج عن نطاق الدّردشة الّتي تروّح عن النّفس ، وعموما هذا التّنابز الّذي نهى عنه الإسلام بشدّة يبقى في هامش الأخلاق العامّة ولا يصل إلى حدّ الخصومة الفعلية الّتي تنشر الحروب بين القبائل والأفراد والعائلات . /


كثيرة هي الأقلام التي تناولت موضوع الثّقافة الشّعبية ، وغاصت في لجّيّها عميقا حتّى اختلفت وتشعّبت استنتاجات الباحثين والدّارسين الإثنوغرافيين باختلاف انتماءاتهم الثّقافية وامتيازاتهم العلميّة ، وتعدّدت الأسماء والأوصاف الّتي وسمت الثّقافة الشّعبية ، كلّ من خلال موقعه العلمي والأكاديمي ؛ سواء أكان يعتبر نفسه متعاليا بثقافته العالمة الأكاديمية ، أو يدرس ويبحث في خطّ متواز- كالمستمزغين (1) - مثلا في حال الثّقافة الشّعبية الأمازيغية - أو كان باحثا شعبيا يتباهى بكونه أصيلا ( أمثال المنضوين تحت راية الحركات الأمازيغية في شمال إفريقيا ) (2) وسيبذل الغالي والنّفيس لإنقاذ ثقافة لم تعد بالنّسبة له مجرّد وعاء من التّقاليد والعادات ، بل مسألة هويّة واختيار بين الموت والحياة . حيث سمّى الباحث عبد اللّه العروي الثّقافة الشّعبية : الآداب القديمة ، ثمّ عمّم المفهوم في الثّقافة القومية ، ويستطرد الباحث :« المقصود من الثقافة في هذا الإطار هو الجانب غير الدّيني من الثّراث ، أي ما يسمّى الأدب بالمعنى الضّيّق المتكوّن أساسا من الشّعر والنّثرالفنّيّ والأمثال والمواعظ والحكم . مداره هو وصف حياة البدو : اللّغة وما فيها من غريب ، المُعاش ، الأخلاق ، المحيط الطّبيعي بما فيه من أنواء وحيوان ونبات ، الأيام الأنساب . » (3) وقد لا ينطبق هذا المفهوم الأخير على كلّ أمازيغ المغرب ، فرغم أنّ النّسبة الهامّة منهم في الجبال والبوادي ، إلاّ أن المدن وخاصّة مدن سوس والحوز وسفوح جبال المتوسط والرّيف تقطن بها وتمارس فيه السّاكنة الأمازيغية كلّ تقاليدها وعاداتها من رقص وغناء وعادات اللّباس والطّعام ، وتتحدّث فيما بينها بلهجاتها الأمازيغية حتّى لتبدو وكأنّها في قراها ، ولم يتغيّر إلاّ الفضاء المكاني . فالتّقاليد والعادات الأمازيغية قديمة توازي في قدمها قدم تاريخ الأمازيغ في المغرب .حيث « تأثّر الأمازيغ بالفنيقيّين والقرطاجيين على الخصوص ، وكان لباس القرطاجيين ، يتكوّن من قميص طويل وطاقية شبيهة بالطّربوش بالإضافة إلى بُرنس أحيانا ، وكانوا يستعملون الكُحل والحنّاء للزّينة ؛ وكان الرّجال يحترمون مكانة المرأة ؛ ويتناولون طعام الكسكس ؛ ويرسمون يدا بشريّة على أبواب منازلهم تقيهم من العين ... » (4) وهذه العادات والتّقاليد مازالت إلى حدّ الآن جاري بها العمل في الحياة اليومية للمغاربة عموما وللأمازيغ على وجه الخصوص ..
وكما أنّ لكلّ شعب من شعوب الأرض تقاليده وعاداته يخضع لها في تواز مع شؤونه اليوميّة فإنّ لأمازيغ سوس عموما وأمازيغ طاطا- أكادير الهناء خصوصا ما يميّزهم وما يشاركون به الشّعوب الأخرى في العادات والتّقاليد . وبالطّبع تدخل جميعها في إطارالثّقافة الشّعبية المحلّية الّتي ما انفكّت تقاوم الإستلابات الأجنبية ، جاهدة للحفاظ على خصوصياتها التّاريخيّة والإجتماعية ، وسنفصّل كلّ نوع على حدة :


المواسم الجهوية (5)

أعني بالمواسم الجهويّة تلك التجمّعات البشرية التي تقام خارج تراب طاطا و دوارأكادير الهناء ، في أزمنة وفي أمكنة معيّنة ومحدّدة ، تختلف من جهة إلى أخرى في بعض تفاصيلها البنيويّة لكنها تشترك كلّها في خلفياتها الإقتصاديّة والدّينية والفولكلورية . وأشير إلى أنّه بالرّغم من أنّ هذه المواسم لا تقام على تراب طاطا تحديدا ، إلاّ أنّ حضور أهل طاطا وخصوصا سكّان أكادير الهناء في هذه المواسم ، يجعلهم فاعلين وجزء من تركيبتها الدّيموغرافية إلى جانب المحلّيين ، وهو ما يدفعنا إلى عدم غضّ النّظر عنها ، وجعل طقوسها تدخل في إطار الثّقافة الشّعبية المشتركة بين أهل طاطا وأهل القبائل المستضيفة او المُضيفة إذا صحّ التّعبير . وسأتحدّث بالتفصيل عن بعض هذه المواسم الجهوية لأهمّيتها الإستراتيجيّة في تشكيل الإطار العام لثقافة شعبية زاخرة بالطّقوس الإحتفالية وأيقونات دينيّة تستمدّ رمزيّتها من الموروث الأسطوري الأمازيغي :


- موسم سيدي عبد اللّه أوداود 


المكان قرب قبر الوليّ الصّالح سيدي عبد اللّه أوداود (أو: بن داود ) بمنطقة إيسافن ، الّتي تحدّثنا عنها سابقا ؛ الزّمان أيام عاشوراء من كلّ سنة، وهي أيّم تلي أيّام عيد الأضحى ، حيث يعود أبناء المنطقة والنّواحي المهاجرين إلى المدن سواء داخل الوطن أوخارجه إلى أسرهم بسيولة نقديّة مهمّة تحرّك عجلة الإقتصاد المحلّي ، حيث تقام الأعراس والحفلات الخاصّة طيلة أيّام عيد الأضحى وما بعده ، ويجيء موسم سيدي عبد اللّه أوداود كفرصة إقتصاديّة ينتهزها التّجار المحلّيين والوافدين لتوسيع نطاق مبيعاتهم وتحصيل أكبر قدر من الأرباح . و قد يستغرق هذا الموسم الشّهير في سوس أسبوعا كاملا خاصّة بُعده الإحتفالي ، لكنّه في الغالب يستغرق ثلاثة أيّام . هذا الموسم السّنوي له أبعاد ثلاثة : أبعاد إقتصادية ودينية واجتماعية وفولكلوريّة . أمّا البعد الإقتصادي فلكون هذا التّجمّع يشبه سوقا لتبادل البضائع وقضاء النّاس المحلّيين و الوافدين أغراضهم واحتياجات عيشهم اليومية ، من مواد غذائية و بضائع وآلات تقليدية لها علاقة بالمهن الحرّة . والبعد الدّيني : إستحضار أعمال ومناقب الوليّ الصّالح والتّبرّك بكراماته إضافة إلى تلاوة القرآن من طرف طلبة المدارس القرآنية وترتيل الأمداح النّبوية والأوراد الصّوفية طيلة أيام هذا التّجمّع السّنوي الهائل ، والّذي يتميّز بحضور هائل للنّساء وخاصّة الفتيات اللواتي يرغبن بالظّفر بزوج أوخطيب محتمل . وداخل بناية قرب قبر سيدي عبد اللّه أوداود تقام الحفلات الدّينية ويذبح ثور كبير أوبقرة ، يقدّم لحمها للزّوار والمحلّيين من خلال أطعمة تّقليدية كالكسكس ؛ كما تُذبح أعداد كبيرة من الدّجاج لإعداد أكلات العصيدة ، تكون في متناول الكلّ دون استثناء ، ويقوم بدور تنظيم سريان هذا المهرجان في أجواء احتفالية رجال القرية ، وتتدخّل السّلطات المحلّية لإيسافن في تدشين بدء الموسم بحضور القائد وبعض أعضاء المجلس الجماعي وكتيبة من رجال القوّات المساعدة لإضفاء طابع الشّرعية القانونية على الموسم والإحتفاظ بسلامة إستمرار المهرجان في أجواء من الهدوء والأمن. ومن حهة أخرى تحكى أساطير كثيرة على هامش هذا الموسم منها : أنّ النّار الّتي تطهى عليها العصيدة في مطابخ الموسم لا تحدث دخانا ، ولا يشعر الطّهاة بأيّ حرارة أثناء الطّهي ؛ كما يكون من العادة بعد الإنتهاء من الأكل أن تجمّع مخلّفات الأطعمة كالعظام والفتات وبقايا العصيدة في أماكن خاصّة خارج البناية ، حيث يعتقد أنّ الجنّ لهل الحقّ في تناول قسطها ونصيبها من الطّعام والتّبرّك بالوليّ الصّالح ؛ ويؤكّد البعض أنّه عندما تبزغ الشّمس تكون بقايا العظام والطّعام والفتات قد فقدت . أمّا البعد الإجتماعي فيكمن في حصول بعض الفتيات على أزواج وتصاهر الأجانب بأهل إيسافن (كما أسلفت) ، و قد ينتهز البعض هذه الفرصة لصلة الرّحم مع أنسابه وأقاربه إضافة إلى أنّ هذا الموسم يقطع الحصار الطّبيعي على منطقة معزولة عن العالم طوال السّنة.. أمّا البعد الفكلوري فيتمثّل في رقصات أحواشية رجالية ونسائية تبدأ ما بعد الظّهر إلى ساعات متأخّرة من اللّيل ، وليس هذا في مكان الموسم فحسب ، بل في معظم القرى والدّواوير المشكّلة لإيسافن ، إضافة إلى تجمّع الشّباب الوافد بالفتيات في الوادي وفي الحقول مثنى مثنى في دردشة لا نهاية لها دون أن يكون هذا مثار فزع أ وشكّ لأباء الفتيات وذويهنّ ؛ فهذه من عادات إيسافن وهو من أسباب حج عدد كبير من الشّباب لهذه المنطقة أثناء الموسم وفي غيره .


- موسم إيمي نْ تا تـْلتْ :


هذا الموسم - المهرجان - يقام في منطقة تقع شمال شرق طاطا في جماعة إبن يعقوب التّابع لبلديّة أقاءيغانْ التاّبعتان لعمالة طاطا . وإسم الجماعة يحيل على إسم الوليّ الصّالح محند بن يعقوب أو( محند أويعقوب ) هذه القبيلة الأمازيغية تستقبل كلّ سنة - وبالضّبط في شهر إبريل قبل موعد الحصاد ودخول فصل الصّيف الحار- أعدادا هائلة من الضّيوف والزّوار من كلّ النّواحي القريبة في موسم إبن يعقوب ولمدّة ثلاثة أيّام في صعيد سهل بين الجبال المحيطة بالقبيلة والّتي تنتشر حولها دواوير صغيرة . هذا الصّعيد وقبل بداية الموسم بيوم على الأقلّ تبنى الخيام الكتّانية في مساحة واسعة وينطلق الموسم في وقته المحدّد بطقوس متوارثة أبرزها طهي كسكس متميّز عن كلّ الوجبات الكسكسيّة في جميع نواحي المغرب ؛ ويتلخّص وصفه كالتّالي : يطهى دقيق الشّعير دون فصله عن القشورأو غربلته ، حيث يوضع في القدر الماء فقط ،وفوقه كسكاس ( الإناء الّذي يوضع على القدر لإعداد الكسكس ) فيه مسحوق الكسكس الخشن وبعد أن يطهى ، يمزج بشيء قليل من زيت الزّيتون أوبدونه ، ويوزّع على النّاس بحفنات معدودة في مزار الوليّ الصّالح . هذا الكسكس لا يستطيع أحد أن يبتلع منه لقمة دون أن يكون معتقدا أنّه ليس لدرء جوع ما ، وإنّما لينال بركة الوليّ فقط ؛ وحتّى عند رحيل الضّيوف والزّوار فإنّهم لا يتردّدون في الذّهاب إلى مزار الوليّ القريب من مكان الموسم ، لطلب المزيد من هذا النّوع من الكسكس ، ليشاركوا أهاليهم بركته عند عودته بعد الثّلاثة أيّام من عمر هذا المهرجان . وقد سبق لي أن تناولت من هذا الكسكس وأتذكّر أنّني ما استطعت أن أبتلعه إلاّ بجهد جهيد . ويعدّوه الطّهات ( النّساء عادة ) ممزوجا بالزّيت حتّى لا يجفّ بسرعة ويحتفظ بطراوته ، لإدراكهم مسبّقا أنّ هذا الكسكس حتما سيسافر إلى مناطق بعيدة . وعند استلام الكسكس يضع الزّائر بعض النّقود في صندوق مخصّص لذلك . والمشهد المثير إضافة إلى ظاهرة الكسكس حضور الجميع بما في ذلك المحلّيين والزّوار، إلى ساحة واسعة ، حيث يجتمع طلبة الزّاوية وفقيههم / الأستاذ في مشهد كأنّه من قرون مضت ؛ حيث يقف الفقيه ويتقدّم النّاس واقفين أوجالسين إلى ركبتيه يقومون متلهّفين بتقبيل يديه ومدّه بالمال وهو يدعو لهم والأكيد أن ّ الفقيد من حفدة الوليّ محند أويعقوب . بينما الموسم في جوانبه التّجارية والإجتماعيّة والإحتفالية يشبه إلى حدّ بعيد موسم عبد اللّه أوداود السّلف ذكره ؛ وسأحجم عن ذكر التّفاصيل تجنّبا للتّكرار والإطالة ,


- موسم ماء العينين : 


جنوب طاطا تقع قرية " إيمي كردان " وهي منطقة صحراوية في خلاء شاسع ، يوجد فيها قبر الوليّ الشّيخ" ماء العينين "وهذا الموسم ليس ككلّ المواسم الأخرى ؛ فتاريخه تاريخ حديث ولم يجتمع فيه النّاس إلاّ مرّة أو مرّتين على حدّ علمي ؛ أولاها حضرته شخصيا سنة 1976 وهذا التّاريخ هو نفسه تاريخ وفاة الشّيخ ماء العينين ، وهي شخصيّة صحراوية عربية بارزة دينيا وعلميا وحتّى سياسيا في تاريخ المنطقة . هذا الموسم له طابع تجاري وكذلك ديني واحتفالي كغيره من المواسم لكنّ طبيعة المنطقة وسكّانها الّذين هم عرب صحراويّون ، غلب على الإحتفالية نمط الرّقص والغناء العربيين الصّحراويين ونمط الثّقافي الحسّاني (6) . لكنّ المثير أنّ في موسمه الأوّل لم يتجلّى بوضوح المشهد العام لهذا الموسم ، والمثير في هذا أنّ الموسم لم يتجدّد الإحتفال به في السّنة الموالية ، لأسباب أمنيّة تتعلّق باعتداءات الإنفصاليين " البوليساريو " على دواوير طاطا الجنوبية والمحادية للحدود مع الشّقيقة الجزائر / وبالتّالي منعت السّلطات التّرخيص لهذا الموسم حفاظا على سلامة المواطن .


- موسم سيدي نـِصْرْ :


موقعه في قرية تسمّى بإسم الوليّ الصّالح الّذي دفن فيها منذ عشرات السّنين خلت شمال طاطا في منطقة جبلية. وهو موسم محدود . ذلك أنّه ليس موسما تجاريا بل يقصده الزّوار الشّباب والنّساء للإستشفاء بقدرات خارقة يُعتقد أن الوليّ الصالح سيدي نِصْرْ يمتلكها حيّا وميّتا ؛ وتقوم النّساء بالمكوث إلى جانب قبره والتّمسّح بأهداب الأثواب الموضوعة على الصّندوق الخشبي الخشبي فوق القبر والدّعاء وتقديم طلبات عبر رسائل شفويّة باللّسان الأمازيغي ، منهنّ من ينتظرن مولودا قد إستنفدن كلّ الوسائل دون مجيئه ومنهنّ من يستعجلن رجوع زوج ذهب ولم يعد ومنهنّ من يتوسّلن إلى حدّ البكاء أن يرفع عنهنّ سحرا كنّ يعتقدن أنّه لازمهنّ طويلا و.. أمّا الفتيات فطلباتهنّ بسيطة ، أن يتمكّن الوليّ الصّالح من التّعجيل بزواحهنّ برجل أيّا كان دون شروط وهنّ يدركن أنّ عملة الرّجل ناذرة ففي مناطق يفوق عدد الإناث فيه الذّكور أضعافا مضاعفة . وفي أوقات من الموسم الصّغير هذا تقوم احتفالات أحواش وينفض الجمع بعد يومين أوثلاثة أو أكثر .
وهناك مواسم أخرى يغلب عليها طابع الإستشفاء والتّبرّك يقصده سكّان طاطا وسكّان أكادير الهناء خاصّة وهي خارج تراب طاطا منها : موسم سيدي اشْفو وموسم إيفري أوجّو وهاذين الموسمين عادة ما تكون خاصّة بالإناث من النّساء والفتيات باصطحاب بعض الشّباب من أقاربهنّ ... وهذه المواسم الصّغيرة بالرّغم من عدم أهمّيتها الكبيرة إلاّ أنّها تلقى إقبالا كبيرا من لدن النّساء اللّواتي يعتقدن أنّ لها أسرارا فعّالة في شفاء العديد من الأمراض المستعصية . وتقام سنويّا على الأغلب لكن هناك مواسم لا تعقد بشكل منتظم ..

المواسم المحلّية  ( أكادير الهناء )


منها موسمان كبيران من حيث الحجاج الّذي يقصدونها والأهداف الّتي تنعقد من أجلها منها موسم " أيت تين يوكرتن " وموسم " أيت تركيتين" أخرى عبارة عن ملتقيات لبعض سكّان الدّوار وخاصّة النّساء والفتيات والأطفال والشّباب الغير المتزوّجين وغالبا ماتنعقد هذه المواسم الصّغيرة عند القبب والقبور والأماكن المكشوفة وتكون خلفياتها معتقدات وأساطير أوذكرى دينية ويرجع تاريخ انعقاد هذه المواسم إلى زمن غير قريب ولا يمكن تحديده لانعدام الوثائق المتعلّقة بذلك ، وأبدأ بالموسمين الكبيرين :


موسم أيت تين يُوكْرْ تنْ :


تاريخ بداية إنعقاد هذا الموسم غير معروف . لكنّي أحتفظ بتاريخ توقّفه لأسباب غير معروفة بدقة وهوبداية النّصف الأوّل من عقد الثّمانينات من القرن الماضي . وتتلخّص طقوس هذا الموسم في التّالي : ينعقد الموسم شتاء ؛ حين يُنهى إلى علم الزّاوية " الحْساينية "(7) ( نسبة إلى أيت احساين ) بأكادير الهناء أنّ قبيلة أيت تين ياكورتن " على وشك حلولها ضيفا على الدّوار. وأيت تين ياكورتن . قبيلة أمازيغيّة تقع في منطقة جبلية في إقليم تارودانت شمال طاطا ؛ حيث يجتمع رجال من هذه القبيلة كلّ سنة ، يستأجرون شاحنة كبيرة ثمّ يقصدون أكادير الهناء ومعهم ألاتهم الموسيقية الأحواشية وثور كبير أوبقرة . وعندما تهلّ شاحنتهم يستقبلها بعض السّكّان بالدّوار وعلى رأسهم سيدي أحمد أوبراهيم . يرتاحون إلى الغد ثمّ يكوّنون موكبا مختلطين ببعض رجال الدّوار يتقدّمهم سيدي احمد أوبراهيم فيصعدون إلى أهل الهضبة الّتي يقع فيها الدّوار ، حيث القبّة البيضاء الّتي تحوي ضريح الواليّ الصّالح سيدي محمّد نيت احساين ، وهو جدّ رئيس الزّاوية وتوجد وسط مقبرة كبيرة تغطّيها القبور بشكل لا تكاد ترى منها إلاّ أوتادها لعدم البناء عليها . والقبّة تسمّى باسم له رمزيّة خاصّة والإسم بالأمازيغيّة هو" تازّْ مكّة " وبالعربية : قريبة من مكّة ؛ وكنّا نعتقد ونحن صغارا أنّ الّذي يروى ليس فيه أدنى ذرّة من شكّ ، وهو أنّ من اعتلى القبّة سوف يرى حتما مكّة المكرّمة. وفي طريق الموكب إلى أعلى يقودون الثّور ومردّدين بعض الأذكار والأدعية وينشدونها باللّغة العربيّة ، يقوم النّصف الّذي يتقذّم بإنشاد شطر ويردّ عليه النّصف الثّاني من الموكب بشطر تالٍ ، إحتفظت منها بشطرواحد وهو: يامولانا بلّغ المكتوب يامولانا . ثمّ إذا وصلوا يقومون بالدّوران والثّور بقبضتهم حول القبّة البيضاء كما يدور حجّاج بيت اللّه الحرام حول الكعبة ، عدّة دورات ثمّ يتّجهون إلى المذبح ، وهو مكان خاصّ بسفك دماء الأضاحي الّتي تهدى إلى الزّاوية . فيعلو التّكبير والشّهادة ويذبح الثّور في مشهد يشبه بعض الطّقوس الّتي يرويها التّاريخ عن أمم قديمة . وبتواز مع الّذبح والسّلخ يقوم سيدي احمد أوبراهيم بتوزيع القطع النّقدية الألمنيومية بقيمة 5 سنتيمات آنذاك والنّحاسية بقيمة 10 سنتيما ، على الأطفال وبعض الفقراء . وتفتح بعد ذلك القبّة للزّوّار؛ إذ كانت لا تفتح إلاّ نادرا . حيث يضع الزّوار قطعا نقدية عبر شقّ لا يتّسع إلاّ لها ، في صندوق يوجد في زاوية يمينا قرب الباب ؛ ويوضع الشّمع كذلك والّذي له رمزيّته الخاصة في جميع المعتقدات والأديان . وبعد ذلك ينزل الجمع إلى الزّاوية فيكرّمون ويحتفى بهم كأنّهم أهل الدّار . وفي المساء بعد صلاة العشاء تقام الإحتفالات من خلال رقصة أحواش تمتدّ حتّى الهزيع الأخير من اللّيل يستمرّ الإحتفال ثلاثة أيّام بعدها تختتم الحفلة بتوديع الوافد مع ضربه موعدا بالرّجوع في السّنة القادمة .


- موسم أيت تركيتين (8):


ويشبه موسم أيت تين يوكرتن في أغلب تفاصيله ، إلاّ واحدة وهي أنّهم ينتهزون فرصة وجودهم بأكادير الهناء ، فيعرضون بضاعتهم الّتي هي عبارة عن أواني الطّبخ الخزفية والقلل الّتي يخزّن فيها ويجلب بها الماء من السّاقية الرّئيسيّة والّتي تسمّى " تاركا " ، ويدّخر في هذه القلل المختلفة الأشكال والأحجام ، العسل والسّمن والتّمر، ويكون مناسبة لنساء الدّوار الّلواتي لا يمكن لهنّ أن يذهبن إلى السّوق لابتياع مثل هذه الأواني بأذواقهنّ الخاصّة .


- موسم سيدي الحاج الغازي


يقع قبر الولي الصّالح سيدي الحاج الغازي في منطقة بين الجبال شمال طاطا تسمى" إغير إيكيدي " بالأمازيغية وبالعربيّة " سفح الرّمال " ؛ حيث يقام موسم محلّي كلّ سنة ولا يدوم إلاّ يوما واحدا . تستيقظ النّساء والأطفال وبعض الشّبان صباحا ليلتقوا في منطقة قرب بحيرة في الوادي الكبير الّذي يسمّى وادي طاطا حيث بقايا ماء خلّفتها السّيول ، يلتقوا ومعهم أواني تناول الشّاي ، وحين يفطرون تستعدّ النّساء لطهي العصيدة من دقيق الشّعير( بالأمازيغية تاكلاّ ) ثمّ يذبح الدّجاج بينما الشّباب من الفتيات والفتيان والأطفال ، منهم من يلعبون أويتبادلون أطراف الحديث ومنهم من من يذهب لصيد بعض الحيوانات البرّية . حتّى إذاما انتصف النّهار إجتمعوا للغذاء الّذي هو العصيدة بمرق الدّجاج البلدي. وبما أنّه لاتوجد أوانٍ عليها توضع العصيدة ، فلا بأس من غسل صخور الوادي الملساء ووضع العصيدة عليها : وحين ينتهي غذاء العصيدة تنتقل النّساء إلى قبر الوليّ للتبرّك به والتّوسّل إليه وتقديم بعض القرابين الّتي نذرْنـَها له في الموسم الماضي ويكون دينا عليهنّ . والنّذر يكون عادة دجاجة سوداء تذبح في الحال ويؤخذ من دمها وتؤكل بعد العودة إلى الدّيار في وقت متأخّر قبل غروب الشّمس .. وهناك مواسم محلّية تتشابه في طقوسها مع طقوس موسم سيدي الحاج الغازي ، من بينها حجّ النّساء إلى جبل يوجد في اتّجاه الشّرق من أكادير الهناء ويسمّى" تاسكسوت نايت سيدي بغداد " حيث تقام نفس الطّقوس كما سبق . وفي تغرمت الدّوار المحاذي للوادي من الجهة الشّرقيّة يوجد قبران في حجرة مستقلّة بنيت من حجر يسمّى القبران : تشرفين ويعني المرأتان الشّريفتان والنّساء يعتقدن بولايتهنّ ويحجن إلى المقام الحجري للتّبرّك وتقديم بعض القرابين الرّمزية ، وهناك تجمّعات نسائية تشبه مواسم إلاّ أنّها محدودة وخاصّة تلك الّتي تقام في المقابر التّابعة للدّوار ومنها :


- مواسم الجمعة النّسائية : 


في المقبرة الواقعة أعلى الهضبة الّتي يقع فيها أكادير الهناء يجتمع بعض النّساء كلّ جمعة ودون سابق تواعد أو إتفاق وذلك بعد صلاة العصر، فتبدأ الطقوس الجُـمَعيّة ( نسبة إلى الجمعة ) حيث يذبح الدّجاج وتطهى العصيدة من دقيق الشّعير في بناية مستقلّة مبنية بالطّين والحجر ذي اللّون البنفسجي الموجود بالمنطقة ، بسفلي مسقّف بينما السّطح ليس كذلك ؛ وتوجد قرب وشمال قبّة سيدي محمد نيت حساين . يقال أنّ البناية كانت مسجدا وهذا يتبيّن من خلال شكل البناية المستقبلة للقبلة بمحراب وشرفات صغيرة ؛ وربّما كان مصلّى يصلّى فيه على الميّت . قرب البناية يوجد بناء تحت أرضي يستعمل ( ك: مطفية ) لتجميع وتخزين مياه الأمطار لسدّ الحاجة أيّام الجفاف ، في استعمالها في عملية دفن الموتى ، لصعوبة جلب الماء من العين الوحيدة أسفل الهضبة . هذه البناية أصبحت الآن غاصّة بقبور بعض الخاصّة من أهل الدّوار . وتقوم النّساء إلى جانب طهي العصيدة ، بطهي حبوب القمح على إناء من خزف دون إضافة شيء غير الملح إليه ويسمّى المطبوخ " تيروفين "، وتوزّع على الأطفال ، وتعود النّساء بشيء منه إلى بيوتهنّ . أمّا محراب البناية فله مهمّة أخرى ؛ فيه شرفة صغيرة متّجهة للقبلة تعلو فوق الأرضية في مستوى قامة إمرأة ، تطلّ منه المرأة وتتوسّل إلى جبريل بصوت مرتفع - قد يسمع من مسافات قريبة - أن يعيد زوجها المهاجر أو أخوها بسرعة ، ومنهن من يصبّن جام غضبهنّ من خلال أدعية على عدوّ محتمل ، جعل حياتهنّ جحيما لا يطاق بينما الفتيات يلتمسن زوجا صالحا ، شابّا بصفات يحدّدنها . ثمّ يغادر الجميع إلى بيوتهنّ قبل حلول الغروب .


المواسم اليومية النّسائية :


ومن أشهرها مقبرة سيدي محند أوحماد ، وتوجد وسط الحقول قرب مدشر" إيمغي " في طريق متربة تصل أكادير الهناء بمركز طاطا ؛ حيث يحجّ إلى هذه المقبرة نساء من كلّ الدّواوير المحيطة للتّبرّك بكرامات الوليّ سيدي محند أوحماد ؛ وحتّى بعض الرّجال عادة ما يصحبون مرضاهم من نسائهم أوأطفالهم للإستشفاء والتّداوي . حيث توجد جانب المقبرة محاذية للطّريق حجرة مبنية بالطين ومسقّفة بجذوع النّخل وسعفه يستقرّ فيها المرضى الممسوسون والمجانين، ومرضى بعض العداوي الجلديّة كالجذام، والمرضى الكسيحين والمشلولين . قرب الحجرة قبرين مكشوفين ؛ وأعني أنّهما لا يوجدان داخل حجرة أوقبّة كما هو الحال بالنّسبة لأغلب قبور الأولياء في مجموع مناطق سوس بل وفي مجموع مناطق المغرب . القبر الأوّل حسب علمي صاحبه مجهول ، وهذا رغم أنّه بارز إلاّ أنّه بسيط البناء ، ولا يبعد عن قبر الولي الصّالح إلاّ نصف متر في خطّ واحد . حيث الأخير مطلي بالجيرالأبيض ، مستطيل الشّكل ، بعلوّ80 سنتميتر إلى متر فوق الأرض ، فوقه توضع الشّموع شتاء ، بينما في فصل اشتداد الحرارة توضع في الحجرة المقابلة . وفوق قبرالمجهول صاحبه ، توضع أواني حديدية ، أو من الألمنيوم من مخلّفات العلب أوخزفية ؛ وأكواب تملأ بالماء المجلوب في ساقية مجاورة تمر محاذية للطّريق. وبجانبه مقابل المقبرة صفّ لا متناه من أشجار النّخيل . هذا الماء الّذي يملأ من طرف النّساء المتطوّعات أو زوّار المقبرة ، يعتقد أنّه يشفي ويعالج الأمراض الجلديّة حتّى المستعصية على الطّبّ الحديث ، بشرط أن يكون هذا الماء قد بات ليلة واحدة على الأقلّ فوق القبر ؛ ويسمح للعموم بأخذ الآنية إلى بيوتهم للإغتسال به ، وخاصّة النساء منهم . وإلى جانب الأواني المائية وفوق سطح القبر وعلى امتداد ساحته ، توجد أشواك النّخيل مغروسة في أرضية القبر مثنى مثنى ، يعني أنّ كلّ شوكتين تشكّلان زوجا مستقلا ، بين الشّوكة والأخرى مسافة 10 سنتيمترات أو أقلّ من ذلك ، مرتبطتين بخيط من الصّوف يلتفّ مرارا حول الشّوكتين ويربطهما معا ؛ وهو ما يعني رمزيا الرّباط المقدّس بين امرأة وزوجها أو بين فتاة وخطيبها ؛ إلاّ أنّ هناك تفسيرا آخر ، وهو أن هذه الخيوط سرعان ماتفكّ ذاتيا بفعل الشّمس والأمطار أوبفعل فاعل ، ما قد يعني الطّلاق ، أو قد يعني فك السّحر عن واضع الخيط . وقرب الطّريق قريبا من المقبرة ، وعلى طول صفّ أشجار النّخيل القصيرة في الطّول ، وفي سعف أشجارها ، قد يلاحظ المارّ أنّ أوراق السّعف معظمها معقودة على نفسها ، يعني في كلّ ورقة طويلة توجد عقدة ؛ وهذه لها تفسيرين الأوّل : أنّ الفاعل لديه مشاكل ويراهن على المارّين في الطّريق ربّما يفكّون العقدة صدفة وتحلّ مشاكله ؛ والثّاني : أنّ عقدا ما قد عقدها ساحر ما ، فمادمت العقدة لم تفكّ فإنّ المعني بها أو المعنية بها لن ينال مرغوبه ، أكان زواجا أو عملا ، على حسب نيّة الفاعل . وكنّا أطفالا حين نتوجّه إلى المدرسة مارّين بالطّريق ، نشغل أنفسنا بفكّ هذه العقد للإعتقاد نفسه . فيما الذين( أو اللّواتي يعملن ) يعملون على التّعقيد يذهبون بعيدا فيلتمسون أعالي أشجار النّخيل حتّى لا تصل إلى عقدهم أيادي الآخرين ، فتُفكّ ويطلق سراح ضحاياهم . ويتناول المرضى في الحجرة وجباتهم من العصيدة الشّعيرية ولحم دجاج أسود أو أبيض حسب وصفة " الفقيهْ " أو المشعوذ الّذي دلّ عائلة المريض على هذا المستشفى النّموذجي !


الولادة


في أكادير الهناء وفي دواوير طاطا عموما ، حيث لا مستشفيات أومستوصفات ولا وسائل نقل يستقلّها المرضى إلى المستشفى الوحيد في المركز إبان عقدي السّبعينات والثّمانينات من القرن الماضي ؛وهي المرحلة التّاريخيّة الّتي يتناولها هذا البحث ، يضطرّ النّساء الحوامل إلى الوضع في منازلهنّ بمساعدة أحد أقاربهن من النّساء ؛ وحين يولد الطّفل يؤذّن الأب - أو أحد الحاضرات القابلات - في أذنيه اليمنى واليسرى ، و تستقبل الأسرة النّبأ بابتهاج وترحاب ، سواء أكان ولدا أم بنتا . حيث تتوالى وفود النّساء للتّبشير بالمولود . وداخل بيت المولود تتناول النّساء شايا وعصيدة بمرق الدّجاج ، أوفي أندر الحالات ما ينتظرن وجبة كاملة . ويستمرّاستقبال المهنّئات حتّى نهاية الأسبوع من عمر المولود ؛ حيث يستيقظ الأب صباح اليوم السّابع ويختار إسما من الأسماء المعروفة - وهي عربية طبعا - وخاصّة الاسماء الّتي وردت في شجرة العائلة ؛ دون أن يستشير الأمّ أوأيّا كان ؛ فيعمد إلى ذبح كبش أقرن باسم الله ، مقرونا في بعض الحالات باسم المولود المختار . وفي المساء يدعو الأب بعض معارفه إلى وليمة صغيرة ، أمّا إذاكان ميسور الحال وهذا نادر، فتقام الحفلات مساء اليوم السّابع قد تتخذ شكل احتفالات عرس . وخلال التّهاني تضع النّساء قطعا نقدية تحت وسادة الرّضيع ، أو يأتين بالسّكر أو ملابس وغيرها من الهدايا البسيطة . وبعد شهر أو أكثر بقليل تقام شبه حفلة بين أفراد العائلة وتسمّى بالأمازيغيّة " زل أضار " بمعني " مدّ الأرجل " حيث يصب اللّوز والشّعير والتّمر برفق فوق رأس المولود وتعلّق التّمائم على صدره ..

الختان






وحين يصل المولود إلى سنّ سبع سنوات أو أكثر من ذلك ، يختن في حفل كبير يشبه عرسا ، يدوم لثلاثة أيّام أوأكثر ويسمّى " تمْغرا مزّيْن " وتعني العرس الصّغير . صباح اليوم المعلوم ، تكون باحة المنزل مفروشة بالزّرابي التّقليديّة ووسائد بمحاذاة الجدران وأواني الشّاي ومواقد الفحم المحلّي ، في انتظار قدوم المدعوّين ،يتقدّمهم فقيه المسجد والطّلبة الّذين يدرّسهم ، وهم غالبا من المناطق المجاورة ؛ و الأقارب وآخرون من الدّوار وصلتهم دعوة الحضور. فيبدأ الفقيه بقراءة فاتحة الكتاب إعلانا ببداية قراءة القرآن كلّه ؛ حيث يوزّع قبل ذلك أجزاء من المصحف ، كلّ جزء يشمل خمسة أحزاب ، على إثنا عشر من مرافقيه الطّلبة ؛ وإن لم يكونوا إثنا عشر فيأخذها منه بعض الحاضرين القارئين للقرآن . يقرؤون بشكل سرّي بينما أكواب الشّاي تدور حول الحلقة . ويكون الّذي سيقوم بعملية الختان آخر من يدخل ، وقد لا يكون طبيبا إنّما أخذ المهنة عن تجربة طويلة سلّمها له أبوه عند احتضاره ، أو إختاره سابقه ؛ ويكون شيخا رصينا معروف بسلوكه القويم في المجتمع . وحين ينتهي الطّلبة من ختم القرآن . تبدأ قراءة بعض الآيات القرآنية جهرا ، ثمّ يستريح الطّلبة لشرب الشّاي ، فتبدأ التّراتيل ثانية وأمداح نبويّة من قصيدة البردة للبوصيري وهمزيّته ؛ ثمّ تتلى مقاطع شعريّة فرديا ويردّ الحضور من الطّلبة بشطر آخر . وبعد لحظات يحضر الطّعام من وجبتين مختلفتين : الأولى الكسكس ، بخضره الخاصّة واللّحم ، وعادة مايكون مكان اللّحم الكرشة ، وهي أجزاء الجهاز الهضمي للمذبوح سواء أكان بقرة أو شاة أوكبشا ، ثمّ يليه الطّاجين المغربي بالخضر واللّحم ؛ وبعد ذلك وهو الأغلب ، تقدّم الفواكه الموسميّة في أطباق مختلفة ومتنوّعة في حالة كان المعني ميسور الحال . عندما ينتهي الأكل ويغسل الحاضرون أيديهم ، يُؤتى بالطّفل المعني بالختان ، وهو في قميص أبيض اللّون تقليدي دون أن يكون لابسا ثيابا داخلية كيفما كانت ؛ حيث يكوّن بعض الأقارب حلقة صغيرة حول الشّيخ الّذي سيقوم بالعمليّة . وحين يبدأ الطّفل بالبكاء ويؤخذ بقوّة بين رجلي الشّيخ ، يبدأ الحضور جماعيا بقراءة وإنشاد شطر شعريّ عبارة عن : "صلّى اللّه على محمّد ، وإبراهيم خليل الرّحمان " وذلك للتّغطية على بكاء الطّفل . وحينما ينتهي الختان الّذي لا يستغرق إلاّ دقيقة أو دقيقتين ، يحمل الطّفل على وجه السرعة إلى أمّه في جانب من المنزل الّذي لا يوجد فيه إلاّ النّساء من أهل البيت ، واللّواتي سيعتنين بالطّفل إلى أن يتعافى . و تتوافد المهنّئات على مدى أسبوع ، ومعهنّ السّكر وبعض الهدايا ونقود يضعنها تحت وسادت الطّفل ويقلن له تشجيعا :" سْلقبى آرْ تمغرانك مْقورنْ " وتعني عقبى لك بعرسك الكبير " ويعنين أنّ الختان عرس أصغر وسيليه عرس أكبر .


الخطوبة


تكون الخطوبة عادية وطبيعيّة عندما يُسِرّ الشّابّ إلى أمّه أمر إعجابه بفتاة قريبة منه أو من عائلة أخرى؛ويكون طبيعيّا جدّا أن تقبل أمّه بذلك وبكلّ ترحاب ؛ أمّا أبوه فنادرا ما يتدخّل بالرّفض أوالأيجاب . ويصبح الشّاب محتارا حينما تحدّثه أمّه عن طلبها يد شابّة تكون زوجته المقبلة دون أن يكون هو اختار ذلك؛ وهذا الرّأي من زاوية نظر ما خاصّة صائب ، لكون الأمّ أعرف بفتيات البلدة - كما قد تدّعي - وأعلم وأدرى بمن يناسبها هذا إذا علمنا أنّ الفتاة عندما تتزوّج ، فهي الّتي ستشارك أمّ الزّوج في النّهوض بأعباء المنزل ، وما أكثرها في مجتمع قرويّ يعتمد الفلاحة والماشية كأسباب للعيش والبقاء . لكن في مجتمع جدّ محافظ كأكادير الهناء قد يتعذّر أحيانا على الشّاب إبداء رأيه في موضوع كموضوع الزّواج ، خاصّة إذا كان بلا عمل مستقل ويرتبط بأبيه بمساعدته في العمل ، ويشارك أبويه الطّعام ويكون جزءا من عائلة الأب وهو الوصيّ والنّافد أمره في كلّ شيء ؛ ومن ثمّ ليس مستقلاّ في اتّخاذ قراراته بنفسه ، وهذه من خصوصيات المجتمات الأبوية ، الّتي ترى أنّ على الأبناء الطّاعة والإنصياع للأوامر فقط ، حتّى ولوأنّهم بلغوا من العمر عتيّا ؛ ذلك أنّ الأب والأمّ ينظران دائما إلى الإبن بنظرة ثابتة لا تتغيّر رغم تحوّل ظروفه وتقدّمه في العمر فهو دائما يحتاج لمساعدتهما لعدم تجربته الواسعة ، فهما الوحيدان اللّذان يعرفان مصلحته وأنّ الزّواج مسؤولية العمر فلا يجوز له التّفرّد باتخاذ قرار لا يلزم الجميع . وبالنّسبة للفتاة فهي لا يمكن لها أبدا أن تختار شابا وتعرضه على أمّها ، وحتّى إذا حدث أن أعجبت بشابّ فإنّها تبقى رهينته إذا شاء طلب يدها أورفضها أو عجز عن ذلك لسبب من الأسباب . وقد لا يكون بمقدورها أن ترفض أيّ أحد عرضته عليها أمّها وخاصّة إذا كانت هذه الأخيرة راغبة في اقترانه بابنتها لجاهه أولماله أو لهما معا ، وبالطّبع - غالبا - ما يكون الأب هو القائد للعمليّة من وراء حجاب وهو يدّعي أنّه أدرى بالرّجال وسيختار لإبنته من هو أهل لها ؛ وبالتّالي تكون الفتاة الحلقة الأضعف في العملية . وتبدأ الخطوبة حين تقبل الأمّ خطيبة إبنها ، فتجمع بعض الهدايا وتقصد منزل الفتاة وتطلب يدها من أمّها ، وطبعا بعد شرب الشّاي والإطمئنان أنّ الأمور تسير كما تشاء. وحين يتمّ القبول لا تطلق الزّغاريد كما يحدث في بعض المناطق المغربية ؛ وإنّما تعود الأمّ بالخبر السّعيد إلى إبنها ثمّ حين يعود الزّوج تخبره كذلك بالأمر. فتتشاور الضّفّتان على موعد الزّفاف ؛ قد يكون سنة أوسنتين أو ثلاثة في حال تعذّر جمع المال الكافي على أحدهما أوهما معا ، أو في حال كانت الفتاة لم تبلغ بعد سنّ الزّواج المحدّد في 18 عاما . ويكون على الشّابّ أن يدفع في كلّ مناسبة دينية وهي أعياد الفطر والأضحى والمولد النّبوي طيلة مدّة إنتظار يوم الزّفاف ، عليه أن يقدّم جميع ما تحتاج إليه من ملابس وأشياء خاصّة بها حتّى ولو لم تطلب شيئا ، ويسمّى ما يقدّم " النّفقة " ، وقد يتراجع أهل الفتاة أو أهل الرّجل في وقت من الاوقات حتّى لو مرّ على الخطوبة عام أوأكثر، لسبب طارئ فتردّ النّفقة أو بعضا منها وقد لا تردّ .


الزواج :


حين يستعدّ الجمعان للعرس المرتقب ، تبدأ الإجراءات الأخيرة لإعلان موعده النّهائي في شهر أو أسبوع ؛ فيتّصل العريس بشيخ القبيلة ليأخذ ما يسمّى ب "الإعلام " وهي رخصة الزّواج ، وحين يحصل عليها يبدأ العدّ العكسي بالتّبضّع من كلا الجانبين ، بينما ما يتمّ في السّرّ - وهذا مايحصل غالبا - هو حصول كلّ من أمّ العروس وأمّ العريس على تميمة أو حرز أو" حجاب " منع الثيقاف ، حتّى يضمنّ سير الأمور على الوجه الّذي يردن ، وخاصّة مخافة أن يفشل العريس ليلة الدّاخلة الّتي ينظر إليها الجميع كعقبة كأداء تعصف بكلّ شيء ، إذا حصل عكس المزمع حصوله . يبدأ أهل العروس بدعوة العدول وأهل المسجد ثمّ الأقارب وأهل الدّوار من معارفه فيضرب لهم موعدا صباح يوم بعد غد . وفي اليوم التّالي قبل يوم واحد صباحا ، يذبح أهل العروس ثورا او بقرة ثمّ تتوزّع المهام على المساعدين من الاقارب - كذلك عند أهل العريس - كالتّالي : فريق يهتمّ بالخبز الّذي يطهى في فرن يبنى جانب المنزل من طرف خبّاز ماهر ، وفريق للطّعام يراقب الطّباخ الّذي يعدّ المرق والكسكس الّذي غالبا ماتتكلّف النّساء بإعداده ، وفريق للوازم وأواني الأكل وإعداد الشّاي ، وفريق لإستقبال المدعووّين بينما أقارب العروس من النّساء يقمن بتنظيم أنفسهنّ ، ويبدأ الحفل صباح اليوم التّالي بدخول المدعووّين إلى الوليمة الرّسميّة الّتي تشبه وليمة الختان - وقد فصّلناها سابقا - في كلّ شيء إلاّ في ما يخصّ كتابة عقد النّكاح ؛ حيث يُشهد العدول النّاس باسم العريس واسم العروس دون طلب الموافقة منها - كما يفعل في بلدان ومجتمعات أخرى- ويذكر العدول المهر المقدّم ، والزّواج على سنّة اللّه ورسوله . وعندما يتمّ ذلك يغادر الجميع إلاّ فريقا من الرّجال بعثهم أهل العريس حيث سينتظرون حتّى إعداد الصّندوق الّذي سيأخذونه معهم إل بيت العروس ، ويشمل لوازم الزّوجة المقبلة من ملابس وحليّ . يُعدّد المجتمعون من أهل العريس وأهل العروس كلّ مافي الصّندوق ، وذلك كلّه بالتّشاور والتّراضي على أثمان كلّ شيء دون استثناء خاتم واحد أوقرط مهما رخص ثمنه ؛ وهذه الإحتياطات تتّخذ لتفادي التّهم الّتي سيلفقها أهل العروس لأهل العريس أو العكس في حالة الطّلاق . و بعد المغرب أوبعد صلاة العشاء يقيم أهل العريس وليمة بدورهم تشبه مثل الّتي أقامها العريس في الصّباح باستثناء غياب العدول . وبعد الأكل تبدأ الأفراح من كلا الجانبين برقصة أحواش الرّجالية تقام في ساحة عامّة قريبة من المنزل ، وبعد هذه الرّقصة تقام رقصة النّساء داخل المنزل ؛ حيث يحضر الأقارب فقط من الرّجال ، وتستمرّ حتى السّاعات الأولى للصّباح يبدأ أثناءها إعداد وتجهيز النّساء للعروس ، وتزيينها بوسائل الزّينة المحلّية من حناء لليدين والرّجلين إلى ما فوق الكعبين بقليل وتضع الكحل التّقليدي المحلّي للعينين والأهداب ويسمّى ب " تازولت ْ" بينما الشّفتين تسبغان ذاتيا بقشور شجر الجوز ويسمّى " التّـْسْويكْ " تمضغه الفتاة فتحصل على فم جذّاب أبهى وأجمل من إستعمالها لأصباغ صناعية لا تستمرّ فاعليّتها إلاّ يوما واحدا . ثمّ ترتدي العروس أبهى ما لديها من لباس تقليدي ّو حليّ وجواهر كما تفعل فتيات إيسافن عندما يحضرن ساحة أحواش ؛ فتحيط صديقات العروس بها فلا تأكل ولا تشرب إلاّ بإذنهنّ ، ولا تقوم بقضاء حاجاتها إلاّ بمرافقتهنّ . ويستمّر هذا يومين على أقلّ تقدير . وفي الليلة الأخيرة في بيت أبيها تقوم النّساء بإهدائها رقصة أحواشية نسائية ينشد فيها الفتيات أشعارا كلّها بكاء على فراق زميلتهنّ ، وأشعار وداعية ، وأخرى تحثّها فيها على الوفاء لزوجها ، والصّبر والسّلوان على فراق أبويها وذويها. ثمّ عندما تكون العروس جاهزة ، يتوقّف أحواش وتنطلق الزّغاريد و يبدأ بكاؤها حين تُحمل فوق حصان ، ووراءها واحدا من إخوتها ، وهذا إذا كان بيت العريس بعيدا أمّا في حالة القرب ، فتحملها امرأة قويّة تسرع بها ووراءها بعض صديقاتها ونساء من أقاربها ، وهذا الفريق يصحب العروس إلى منزل العريس بالزّغاريد وأهازيج أمازيغية حتّى لا يُسمع بكاء العروس . هذا الموكب النّسائي يسمّى " تنْكّيفْتْ " . وعندما يصل الموكب أمام باب بيت العريس ، يكون العريس قد إتّخذ موضعا مشرفا على ساحة المنزل ، يرمي بكلتا يديه اللّوز والجوز والتّمر وبعض الجواهر الفضّية ؛ فيتسابق الاطفال والنّساء والفتيات إلى البحث في الظّلام و بين الأرجل على ما يمكن أن يكون هديّة من العريس . بينما الزّغاريد تعلو، يتمّ إدخال العروس إلى المنزل في الوقت نفسه الّذي كان أحواش الرّجال على أشدّه في ساحة قريبة من المنزل . فيبدأ من جديد أحواش النّساء داخل المنزل بحضور أهل وأقارب العريس دون الغرباء والأجانب ، إلى وقت متأخّر من اللّيل . قد يدوم العرس يوما أو يومين ؛ وفي السّبعينات كان أسبوع من الافراح والرّقصات غير كاف للعريس كي يبيّن كرمه للضّيوف أوّلا وثانيا كي يبيّن مدى حبّه لعروسه . غير أنّ الأمور تغيّرت حين تعقّدت متطلّبات الزّواج من النّفقة والمهر وارتفاع تكاليفها ، كما يحصل الآن في كلّ المجتمعات الإنسانية . وبعد يومين ، عند تناول العشاء الأخير ، يغادر الجميع ولا يبقى في بيت العريس إلاّ هو وعروسه وأمّه وأخواته وإخوانه . حيث يبدأ العدّ العكسي لليلة الدّخلة . فتحجز له غرفة في زاوية ما من زوايا المنزل الكبير، ويختلي بعروسه دون مقدّمات . ويصبح الصّباح وتصبح العروس زوجة . وفي بعض الحالات الإستثنائية تكون امرأة من مطلّقات الدّوار المشهورات ، عادة ما تحشر نفسها في لعب دور المهتمّة بشؤون العريس والعروس على حدّ سواء ، فتغذق بتعليماتها واستشاراتها على العريس من وراء حجاب بعد أن كانت في وقت سابق قد اعطت تعليماتها للعروس حتّى تنجح الدخلة في ليلة واحدة . وما تشتهر به بعض المناطق في المغرب من إشهارها لدماء العذريّة بعد الدّخلة لا يجد مكانه في تقاليد وعادات أكادير الهناء . وبعد العرس بأسبوع تقوم أسرة العروس بزيارتها الأولى إلى بيت الزّوجة الجديد حيث يتمّ إلقاء مسحوق الدّقيق - الشّعير أوالقمح - في الطّريق ما بين المنزلين ويسمّى "تاكضرورت " ، وهذه عادة قديمة كانت في السّبعينات ويبدو أنّها انقرضت تماما في الوقت الرّاهن .


الوفاة


عندما يحتضر الرّجل ، يلتفّ حوله أقاربه وبعض رفاق الدّرب فيُستقبل القبلة ويدعى بفقيه فتقرأ عليه سورة يس . وعندما يتأكّد أنّ روحه أسلمت إلى بارئها ، يبث الخبر في مجموع الدّوار وبين معارفه أينما كانوأ ؛ فيغسل في المنزل أو يذهب به إلى المسجد كي يغسل هناك . والمرأة تحضر وفاتَها النّساءُ ومثلها مثل الرجل في استقبال القبلة والإعلام بالوفاة ؛ بينما تُغسل من طرف النّساء في المنزل على السّنّة الإسلامية . كان رجلا أو إمرأة يصلّى عليها في مصلّى خارج البيوت ، ثمّ يحمل الميّت على نعش من حصير يصنع محلّيا . ويكون القبر جاهزا في المقبرة الكبرى أعلى الهضبة . فيبدأ قرّاء القرآن بقراءة يس تليه سورة الملك ثمّ خواتم القرآن : الإخلاص والمعوذّتين ؛ وهذا بينما تتمّ عملية الدّفن . وعند انتهائه يدعو الفقيه للميت بالغفران ولأهله بالصّبر والسّلوان . وبعكس بعض المناطق المغربيّة لا يحدث أن يرتفع بكاء قريب أوبعيد على رحيل من عائلته . قد يكون الحزن باد ولكن لا يخرج بتاتا بصراخ أوعويل . ويستقبل أهل الميّت المعزّين طيلة الأيّام التّالية على رحيله . وبعد ثلاثة أيّام من رحيل المتوفّى ، تقوم النّساء بعادة اليوم الثّالث : حيث يحضّرن الحنّاء وهذه المرّة ليس للزّينة والإبتهاج وإنّما للحداد ؛ ويعدّ الشّاي وخبز يحضّر محلّيا ويسمّى " أبلعبّاز " ويفرّق على المعزّيات مع التّمر وحبّات من اللّوز الغير المقشّر . بينما الرّجال تقام لهم وليمة شكلية يقرأ فيها القرآن وتتلى فيه الدّعوات وينفضّ الجمع بعد تناول وجبة بسيطة من المرق والخبز المحلّي .../.



لايمكن رصد المشهد اليومي لمجتمع ما من كلّ نواحيه ،إلاّ من خلال ربط الثّقافة الشّعبية بالمعيش اليومي ربطا لا يجعل منها أنشطة موازية ، بل إطارا عاما لوجود المجتمع وسيرورته . ولا يمكن لهذه السّيرورة أن تتفكّك ذاتيا أوتُحدَث شروخٌ في البناء العمودي لهذا الوجود ، إلاّ من خلال تضافر عوامل خارجة عن الخصوصيّة والتّميّز، تُختزل أحيانا في الإنجذاب الفردي والجماعي - أحيانا - إلى مظاهر تغري بطبيعتها الإستلابية بالجديد ، أكثر ما تضيف من قيمة حقيقية للثّقافة المحلّية ، والّتي رغم كونها لا تستطيع مقاومة الإغراءات الجديدة بنفس طويل ، إلاّ أنّها تبقى عصيّة على المحوكلّيا ، عكس ما قد يتصوّر . في طاطا إلى حدود عقد الثّمانينات ظلّت الثّقافة الشّعبية المحلّية عصيّة على اللّين أمام مظاهر التّمدّن الجديد، والمتمثّل في ربط الطرق بالشّبكة الوطنية ، وربط الدّواوير بالطّاقة الكهربائية ، وما ترتب عنها من بركان تجلّت تدميريّته في طوفان من لافا الثّقافات المختلفة والمتنوّعة ، والّتي تنفثها مداخن القنوات التّلفازية التي تنمو كالفطر، فما لم تُبدْهُ سحقته ، وما لم تسحقهُ سمّمته . فشكّل الذّخيل والأصيل انفصاما في شخصيّة ثقافة ظلّت تقاوم أشكال الإستلاب الخارجي لمئات القرون . ولحسن الحظّ وفي كلّ الثّقافات الشّعبية على مستوى العالم بأسره ، إنبرى مهتمّون وباحثون ومنذ عقود خلت ، لتدوين مالم يدوّن من عادات وتقاليد ورقص وشعر شفاهيّ جعل استئصال الأصيل من المستحيل أومؤجّلا إلى حين، وجعل الثّقافات الشّعبية تحيا من جديد ، لترقى إلى مستوى مكوّن من مكوّنات الوجود الإنساني الواجب الحفاظ عليها ؛ وهو ماتجلّى في المواسم القديمة ، الّتي اتّخذت الآن شكل مهرجانات ثقافية وطنية وعالميّة ، تتولّى تمويلها منظّمات عالميّة وجمعيات وطنية متخصّصة في إحياء الثّرات الإنساني المهدّد بالإندثار. وخلال رصدي لمكوّنات الثقافة الشّعبية لأكادير الهناء طاطا حاولت مجتهدا أن أسلّط الضّوء على كلّ مكوّناتها دون إغفال الأشياء الصّغيرة مهما بدت تافهة ؛ وأنا على يقين أنّه لا بدّ وأن ّلكلّ عمل شعبيّ رمزيّة ما ، ظاهرة كانت أو مستترة . وفي الأجزاء الأربعة سلّطت الضّوء على العناوين الكبيرة والصّغيرة من شعر وعزف ورقص وأساطير ومعتقدات ، وعادات الأفراح والأحزان؛ وسأسلّط الضّوء في هذا الجزء على المشهد اليومي المعيش إبّان العقدين السّالفي الذّكر لمجتمع طاطا - أكادير الهناء والّذي يعتبر بحقّ كنزا من كنوز الثّقافة الشّعبية الأمازيغيّة في المغرب :


الوجبات الغذائية المحضرة محلّيا


الكسكس


من الوجبات الّتي تحتلّ مرتبة متقدّمة في قائمة الطّعام اليومية ، ويكثر تحضيرها : الكـُسْـكـُس. والكسكس معروف بالمنطقة المغاربية كلّها ؛ وقد ورثه الأمازيغ منذ القرن الثّاني قبل الميلاد من القرطاجيين . وتحضيره بسيط وقد لا يكلّف إلا ّ القليل من الدّقيق وبعض الخضر . ويحضّر من طرف النّساء حيث يخلط الدّقيق بالماء إلى درجة أدنى من أن يصبح عجينا ؛ يفرّق برفق وبعناية حتّى يصبح الدّقيق حبيبات صغيرة ، يوضع في كَسْكاسٌ وهو الإناء الخاصّ به وهو على شكل إناء به ثقب صغيرة أسفله لا تتمكّن الحبيبات من النفود من خلاله . وبمعزل عنه يحضّر مرق الكسكس بطريقة تختلف عن طريقة إحضار الطّاجين ؛ فالخضروات الخاصّة بالكسكس هي اللّفت والجزر والقرع والباذنجان وخضرا عشبية تسمّى محلّيا " إفـْراسْنْ " ثمّ البصل والطّماطم ، قد يضاف إليها العدس في حالات محدودة . ويختلف تحضير وجبة الكسكس من منطقة إلى أخرى بل ومن أسرة إلى أخرى فيما يخصّ محتوياته . ففي طاطا ، الأسرالفقيرة و الّتي تشكّل نسبة عالية في التركيب الدّيمغرافي للسّكان ، تكتفي بإحضار الكسكس من دقيق الشّعير وخضروات يتمكّنون من إنتاجها في حقول مجاورة ، عادة ما لا يساعد الطّقس الجاف والحارّ من توفرها وتنوّعها ، فيكتفون منها ب" إفراسن واللّفت وبعض العدس والبصل وشيء من الطّماطم ؛ ويكون اللّحم آخر مايـُفكّر به . ويـُتناول الكسكس في الغذاء أو العشاء أوهما معا . ومن العادات المستحبّة تناوله باليد. بعكس ما هي عليه العادة في المدن المغربية : من إعداد الكسكس مرّة واحدة أسبوعيا وبالضّبط غذاء يوم الجمعة بعد الصّلاة مباشرة ، حيث يتناول بملاعق ألمنيومية. والإناء الّذي يحضّر فيه الكسكس مكّون من إنائين : القدر و الكسكاس ؛ بحيث يوضع الكسكاس فوق القدر. وقديما تستعمل الأواني الخزفية قبل أن تستبدل بالأواني الألمنيومية و الإينوكسية العالية الثمن . ويشكّل الكسكس عادة وتقليدا أصيلا في المغرب كلّه ؛ حيث يكون من الواجب تقديمه في الحفلات وغيرها ضمن ما يقدّم ؛ وهو في طاطا كذلك .


الطّاجين :


يتّمّ إعداد الطّاجين في كلّ مناطق المغرب عموما . وقد لا يمرّ يوم دون أن تكون العائلات المغربية في موعد مع هذه الوجبة . والإناء الّذي يحضّر فيه مختلف عن القدر الّذي يحضّر فيه الكسكس . وهو إناء صغير من الخزف مصنوع في مناطق معيّنة في المغرب ، على شكل طنجرة . يقلى اللّحم و البصل مع الزّيت ؛ ويستحبّ أن يكون الزّيت ، زيت زيتون مع إضافة الملح ومساحيق نباتية محدّدة معروفة محلّيا ب : الإبزار والكامون ومسحوق الفلفل الأحمرالحلو أو مسحوق الزّعفران الأصفر ؛ ثمّ حين يقلى المحتوى يتمّ إضافة الخضر الرّئيسيّة ، وهي البطاطيس والطّماطم والجزر. ويستحبّ أن يطهى فوق الفحم الخشبي وما يسمّى محلّيا :" تيركين " على مجمر أوكانون خزفيّ أوحديدي . ويختلف الطّاجين من منطقة إلى أخرى ومن عائلة إلى أخرى حسب القدرة الإقتصادية لها. وفي طاطا كذلك يعتمد أغلب النّاس على الطّاجين الخزفي المصنوع محلّيا أو المجلوب من مدينة تيزنيت ، وهو مختلف في الشّكل من الطّاجين الّذي يصنع في مرّاكش وهو المشهور عالميّا .


تاكــلا أو العصيدة ّ: 


وهي وجبة سهلة التّحضير ؛ من دقيق الشّعير أو القمح أو الدّرة أحيانا . يوضع الماء في قدركبير، بإضافة شيء واحد هو الملح ؛ ثمّ حين يغلي الماء يضاف الدّقيق شيئا فشيئا ، ويحرّك تزامنا بعصا غليظة أو بمغرفة خشبية حتّى تتحلّل الحبيبات الدّقيقية وسط المحتوى ، الّتي تتوسّط طريقة تحضيره ، الحريرة أو "أزكيف " ذا الشّكل السّائل والكسكس بشكله الحبيباتي . ويدوم تحريك المحلول حتّى بعد توقّف إضافة الدّقيق ؛ إلى أن يتبيّن طبخها النّهائي ؛ فيوضع في إناء واسع خشبيا كان أو معدنيّا يسمّى محلّيا سركوس أو التبصيل إذا كان معدنيا أو" تازلافت " إذا كان خشبيا أو خزفيا . تحدث حفرة في وسط العصيدة يصبّ فيه زيت الزّيتون ، أو يوضع فيها السّمن البلدي أو ما يسمّى محلّيا " أودي " أو يوضع فيها شيء من مرق خاصّ يحضّر منفصلا ؛ وهذا المرق عبارة عن مرق عاديّ بدون خضر ماعدا البصل والطّماطم بنكهة لحم الدّجاج "البْلْدي " وغالبا ما تتناول العصيدة مع اللّبن . تترك العصيدة حتّى تبرد ، وتتناول باليد بصنع اللّقمات وذهنها بالسّائل الّذي يتوسّط الإناء . كما أنّها تتناول جماعيا . وترتبط العصيدة بطقوس معيّنة إذ أنّها كما ذكرنا سالفا تحضّر في كلّ المناسبات الدّينية وفي زيارة القبور ، وعند وضع النّساء الحوامل . كما تكون وجبة رئيسيّة عند بعض العائلات الشّديدة الفقر .


الحريرة أو " أزكّيف ":


تحضّر الحريرة كما العصيدة تماما ، غير أنّ الدّقيق المضاف يكون محدودا ، حيث يصبح المحلول في النّهاية سائلا دون وصوله إلى حالة سيلان الماء مثلا ً . وتحضّر من دقيق الشّعير أو القمح الصّلب . في طاطا يكون أزكّيف ضروريّا ورئيسيا في فطور الصّباح ، وفطور رمضان ، حيث يتناول في أوان خزفيّة خاصّة تسمّى " تزلافين " أو تجبّانيين ". ويستحسن أن يتناول مع التّمر ؛ كما يوصف أزكّيف للمريض بأوجاع الجهاز الهضمي . وأزكّيف الّذي معناه بالدّارجة العربية الأمازيغيّة : الحريرة ليس مطابقا تماما . والمعلوم أنّ الحريرة تضاف إليها مكوّنات عديدة كالحمّص والعدس واللّحم المقطّع إلى أجزاء صغيرة ، كما يضاف إليها البيض وموّادّ أخرى تخرجه عن كونه أزكّيف ؛ بل بهذه المكوّنات تكون الحريرة وجبة كاملة وخاصّة في المدن ولدى العائلات الميسورة.


المْريسْ :


وهو خليط الماء بدقيق الشّعير إلى حدّ جريانه ، يضاف إليه الملح والخلّ . هذا الخليط لا يطبخ على النّار بل يستحسن شربه وتناوله باردا في كوب كبير وليس في إناء . وقد يحضّر المريس من دقيق مقليّ على النّار ويسمّى " أكّورن إيجّان " وطبعا يترك حتّى يبرد ثمّ يضاف إليه الماء . وعادة ما يتناول المريس بطريقة فرديّة لسهولة تحضيره وثانويّة أهمّيته . يتناوله الشّيوخ الرّجال والنّساء وخاصّة أثناء عملهم وبعد الإفراغ منها .


لـْبـْسيسْ :


خليط دقيق القمح أو الشّعير المقلي أو " أكورن إيجّان " بزيت الزّيتون ، مضيفا إليه الملح ؛ فيشبه تماما خليط الماء والرّمل حتّى في لونه الرّمادي الغامق . ويتناول الخليط مع الشّاي أو القهوة في شكل فردي أو جماعي . يتناول بالملاعق أو بالأيدي .ويقابله في المدن المغربية ما يسمّى " بومسّوس " أو " السّفوف " بالدّارجة العربية ويضاف إليه السّكر واللّوز وموادّ أخرى .


تومّيت ْ :


وهو معجون التّمر- بعد إزالة عظمه - مع الدّقيق المقلي على النّار أو" أكّورن إيجّان " وزيت الزّيتون. بحيث يصنع من عجين التمر والدّقيق كـُرات على هيئة بيضات تؤكل في الحال أو تذّخر إلى وقت الحاجة مثل أوقات الحصاد أو الصّيد أو السّفر حيث يتناول مع الماء البارد أو مع الشّاي . وقد يتناول الطّاطويون " توميت " بعد سنوات من إعدادها وهي مدّخرة في أماكنة معيّنة دون أن تفسد ، اللّهم صلابتها .


أملو :


إحضار مادة أملو يستوجب زيت أركان المنتجة في مناطق سوس الشّمالية . ولكن في طاطا يستحضر أملو بزيت الزّيتون وطريقة تحضيره كالتّالي : تقلى ثمار فاكهة اللّوز على نار هادئة ، ثمّ تسحق بواسطة رحى خاصّة غير رحى الدّقيق مع إضافة زيت الزّيتون أوزيت أركان إذاكان متوفرا ، يضاف إليه مسحوق السّكر فيصبح لدينا سائلا هو ما يسمّى أملو، يأكل بالخبز ويزدرد بالشّاي .


أماغوسْ : 


هو ليس وجبة غذائية ، ولكنّه في بعض الأحيان يكون من كماليات بعض الاطعمة الّتي تحتاج الحموضة أكثر، وقد تكون له بعض الإستعمالات المختلفة . وأماغوس مادّة تستخرج من فاكهة الرّمّان الحامض . فيكون إمّا بتخميره أو بطهي حبوبه ؛ فينتج عنه سائل أسود يميل إلى البنّي . ويأتي استعماله في الحنّاء مكان حامض اللّيمون في الدّرجة الأولى . لكنّ الّذين يصنعون هذه المادّة أكثر، هم سكّان تاكموت ويلقّبون به أحيانا ضمن الشّفاهي التنابُزي .


تاعشّاتْ :


هي وجبة تشبه الكسكس . لكنّ طريقة تحضيرها ومذاقها في النهاية مختلف عن مذاق الكسكس . وتحضّر تعشّات كالتّالي : يؤتى بدقيق الشّعير والماء فيخلطان في إناء أوطبق واسع مثل الطّريقة الّتي يختلط بها الكسكس لكنّها أدقّ ، فإذا كانت حبيبات الكسكس صغيرة جدّا فإن حبيبات تعشّات أكبر منها ، وقد نقول ضِعفَها في الحجم ثمّ حين يتمّ فرك الخليط باليدين، يجمع في كـُرات ثلاثة أو أربعة . ثمّ يجهّز المرق كمرق الطّاجين في قدر كقدر الكسكس ، وتثبّت ثلاثة أعواد أو أربعة في وسطه ؛ ثمّ نضع الكرات فوقها ؛ حيث تطبخ بواسطة بخار المرق ؛ ثمّ نقفل الإناء . عادة ما يكون الزّمن الّذي يكفي لطبخ الكرات معلوما . يفتح القدر، ثمّ تفرك الكرات في صحن معدّ لذلك فيصبّ المرق فوقه . وتكون تعشّاتْ جاهزة . وليس لهذه الوجبة وقت ما . حيث يتمّ تحضيرها من وقت لآخر .


بْلـْقـزيزْ : 


ويتمّ تحضيره كتعشّات ، كذلك كالكسكس ، والأخير هو الغالب . و الفرق الوحيد بين بْلْقزيزْ وهاتين الوجبتين هو: الإضافة إلى مرقه فاكهة التّين قبل أن يحين نضجها بكثير وتقطف من اشّجرة وهي ماتزال خضراء ، أعني حين تكون في بداية نموّها . تغسل وتطبخ مع المرق .


بـُوفـِّي : 


هي وجبة سريعة التّحضير حيث يتمّ أوّلا وقبل كلّ شيء تحضير مرق دون خضر تذكر ؛ المرق عبارة عن قلي الزّيت مع المساحيق النّباتية الضّرورية لأيّ مرق بإضافة الماء كثيرا ، ومن تمّ يضاف دقيق الشّعيردفعة واحدة فيخلط بسرعة فنحصل على ما يشبه الكسكس ولكن بمذاق خاص ويستحسن أن يؤكل مع الشّاي .


تحضير الخبز بطاطا :


- أغروم إسديدْنْ :


أغروم بالأمازيغيّة يعني الخبز ويحضّر كالتالي : يؤتى بالعجين سائلا ، ويحضّر إناء خزفي يشبه قصعة مسطّحة بدون حواف يسمّى : " تافـْلّونـْتْ " يدهن بالزّيت العادي ويوضع مباشرة فوق النّار فيصبّ العجين السّائل مغرفة واحدة لكلّ رغيفة ، فيمدّد على الإناء بالمغرفة ؛ فيطبخ بسهولة ونحصل على رغيفة بسمك ورقة كتاب وبقطر الإناء الّذي طبخت فيه .


أبْلْعْـبّازْ :


عجينه يشبه إلى حدّ كبير عجين أغروم إيسديدن إلاّ أنّه بطيء الجريان بالمقارنة . ويستمل نفس الإناء لطبخه أو أصغر منه قطرا في الغالب . يصبّ العجين في الإناء ثمّ يمدّد قليلا بمغرفة خشبية ويترك حتّى يطبخ ؛ ويتبيّن ذلك بظهور ثقوب على ظهر الرّغيف ويتناوله كبار السّنّ عادة لسهولة مضغه مع المرق أو مدهونا بزيت الزيتون أو مع الشّاي .


تونـّيرْتْ :


يطبخ في فرن كإناء خزفيّ قطره نصف متر تقريبا على شكل U ؛ حيث يحضّر العجين كعجين الخبز العادي ، من دقيق الشّعير أو القمح فيترك حتّى يختمر في الوقت الّذي توقد النّار داخل الفرن الخزفي . ثمّ تمسح جوانبه بقطعة قماش ؛ ثمّ يلصق العجين بالضّغط عليه وتمديده على الجوانب الدّاخليّة المقعّرة للفرن بعيدا شيئا ما عن الأخشاب الّتي لم يبق منها إلاّ فحما مشتعلا ً. بعد 5دقائق تقلع الرغيفتان أو الثّلاثة بسكين ثمّ تقلب على الفحم ؛ وبعد قليل من الوقت يكون لدينا خبز تونّيرت يقدّم مع المرق في وجبات الغذاء أو العشاء .


أغروم ن لكوشا :


عجينه مثل عجين الخبز السّابق ذكره ، إلاّ أنّ الأرغفة تتّخذ شكلها النّهائي حتّى قبل طبخها . وفرن الطّبخ فرن عادي يبنى بالطّين على شكل هرم ويقسّم في داخله إلى جزئين : جزء للنّار ، وجزء للعجين : حيث يطرح العجين على شكل أرغفة مدوّرة على صفيحة من حجر يتّسع لقطعتين أو واحدة ؛ ويقلب الرّغيف مرّتين حتّى يطبخ من كلتا الواجهتين جيّدا ؛ ويطرح في الوجبات المختلفة . ولا أنسى أن أشير إلى أنّ هذا النوع يحضّر في المناطق الصحراوية القاحلة وخاصّة لدى الرّحل العرب بطريقة مختلفة ؛ حيث توقد أعواد الأشجار اليابسة على كثلة من الرّمل وحين يتأكّد من سخونة الرّمل بشدّة يتمّ إدخال العجين على شكل أرغفة داخله ثمّ يسحب بعد ذلك وهو جاهز للأكل .


أغروم ن أورْفانْ :


وهي أرغفة خاصّة بالأعراس والحفلات الّتي يدعى إليها عدد غير يسير من المدعوين . والفرن الّذي تطبخ فيه مثل فرن " أغروم ن لكوشا " السّابق ، والفرق هو ضخامته ، وكذلك الجزء من الفرن المخصّص للأرغفة فعوض الصّفائح الحجرية توضع كمّيات كبيرة من حصى الوادي الصغيرة بعد غسلها جيّدا . يوضع العجين السّائل مثل عجين أبلعبّاز السّالف الذكر ولكنّه من دقيق القمح الطّرّي الممتاز الّذي يشترى جاهزا من السّوق . ويمكن للفرن أن يطبخ في لحظة واحدة 10 أرغفة أو أكثر وفي زمن قياسي نظرا لعدم سمك الأرغفة وحرارة الفرن الضّخم المرتفعة .


اللّباس المحلّي : 


اللّباس المحلّي للسّكان في طاطا متميّز بتداخل نوعيه الصّحراوي والجبلي ، سواء بالنّسبة للرّجالي أو النّسائي . فالصّحراوي - الّذي يسكن جنوب طاطا ذات التّضاريس الشّبيهة بالصّحراوية - للباسه علاقة وطيدة بالمناخ الحارّ والجاف وتطاير الأتربة في شهري مارس وأبريل الرّبيعيين وشهري شتنبر وأكتوبر الخريفيين . يكون اللّباس الرّجالي على العموم لباسا صيفيا ولباسا شتويا ؛ فالصّيفي يتكوّن من قميص فضفاض فد يصل عرضه إلى متر ونصف ، وقد يكون طول القميص يوازي عرضه ، بألوان شتّى مثل الأبيض والأزرق الغامق والأزرق المفتوح وهو الغالب وكذلك الأسود ؛ وتكون الأقمصة مخطّطة بأشكال هندسية مخيطة بخيط ذا لون بارز على لون القميص حول العنق وعلى الجيب الكبير أسفل الفتحة . وفوق الرّأس عمامة قد يصل طول ثوبها إلى 3 أمتار. وتكون العمامة سّوداء أو بيضاء أوزرقاء ، تتدلّى لتلتفّ حول الفم والأنف لدرء الأتربة وتيارات الهواء الحار كما عند الطّوارق الجزائريين . أمّا في الشّتاء فتلبس الجلابة المغربية بأشكالها المتنوّعة منها الصّوفية في حالة اشتداد البرد ، أو القطنية أو العادية المنسوجة من ثوب عادي في حال اعتدال الجوّ . أمّا الجبلي فهو قميص عادي ويسمّى" أقشّابْ " يغطّي الجسد كلّه ومنه أيضا مالا يغطّي الذّراعين ويسمّى " أضرّاعْ " وهذا اللّباس يلبس في ظروف الجوّ الحار والمعتدل . أمّا العمامة فهي من الضّروريات وخاصّة عند كبار السّنّ وتسمّى محلّيا " الرّْزّا " أو " أفـْرْوالْ "ّ أمّا في فصل الشّتاء فتتخذ الجلاّبية بمختلف أنواعها كما عند الصّحراويين . في حالة النّساء فلا يختلف اللّباس في الصّيف أو في الشّتاء .عند الصّحراويات المتاخمات لحدود الإقليم الجنوبية والشّرقية ، يتّخذ اللّحاف عادة كلباس أساسي . واللّحاف عبارة عن قطعة ثوب قد يصل طوله إلى 10 أمتار وعرض مترين مزركش بألوان ورسوم متعدّدة ، يلفّ حول الجسد دون أن يكون مخيطا أو معقّدا كما سنرى عند نساء أكادير الهناء ، ويلبس على القميص الدّاخلي ؛ يلفّ حول الجسد والرّأس دون الوجه . أمّا النّساء في أكادير الهناء وفي غيره من الدّواوير الأخرى فيلبسن لحافا من ثوب في شتّى الألوان ، ويتحسن أن يكون من لون واحد غير مزركش ، وإذا كان : فتكون الرّسوم على الثّوب غير ملفتة للنّظر. ويكون اللّحاف ثوبا بنفس طول الّذي تحدّثنا عنه ، يلفّ حول جسد فوق اللّباس الدّاخلي مرّات عدّة ، ويعقد على مستوى الصّدر، ويربط على مستوى الخصر بحبل قطني كما توضّح بعض الصّور المرفقة . وتبدأ الفتيات بوضع اللّباس التّقليدي بعد السّنّ 12 على أكثر تقدير . وتتغيّر الألبسة حسب المناسبات .

الصناعات التّقليدية


الصّناعات التّقليديّة في طاطا صناعات استهلاكية على العموم , والمنتجون ينتجون ما يحتاجون إليه : إمّا لأنّه لا يوجد في السّوق أو لأنّه غال الثّمن بالنّسبة للطّاقة الشّرائية المحدودة للسّكان . ونادرا ما تكون هناك صناعة تصدّر منتوجها للسّوق الدّاخلي أمّا عن التّصدير للخارج أعني الأسواق المجاورة لطاطا فهو منعدم تماما . وكلّ ذلك مردود على الظّروف الطّبيعيّة القاسية .


صناعة أسْطّا:



يسمّى سكّان طاطا صناعة النّسيج ب " أسْطّا "ويصنع من الأفرشة الزّرابي التّقليدية الغير المكلّفة ، وهو ما تسميه النّساء " أهْدْرْبالْ " ؛ وينسج على طريقة النّسج التّقليدي لكن لا تستعمل فيه الصّوف إلاّ من خلا ل الألياف الرّئيسية الّتي تكون القاعدة في النّسيج . ويكون جهاز النّسج تقليديّا من أعواد خشبية أربعة تثبّت على شكل مستطيل بينما واحدة خامسة في داخل المستطيل هي الّتي تتحرّك عموديا بأيدي النّساء وهي تكثّف البناء النّسيجي للزربية . ويثبّت المستطيل على الأرض إلى آخر العملية . وأهدربال ينسج من بقايا الأقمشة المتخلّى عنها أو غير المستعملة أو الّتي سبق استعمالها من الملابس النّسائية والرّجالية ،وهي غير مكلّفة ، ولا تباع إلا ّ نادرا ، وتحتفظ النّساء بها للحاجة . أمّا الزّرابي الّتي تنتج من الصّوف وتستعمل كأفرشة في المناسبات ولدى ميسوري الحال ، فصناعتها تأخذ وقتا طويلا وتكلّف من الصّوف مالا تستطيع النّساء تدبّر ما يحتجن منه بسهولة ، لقلّة تربية الماشية في منطقة يغلب عليها المناخ الجاف . بينما صوف المعز يستعمل في صناعة اكياس حمل التّبن وبعض الأفرشة ، ويستعملنه النّساء الصّحراويات لصناعة الخيام الوبرية وبعض الجلابيب ( ج جلابة ) المحلّية الصّنع .وكانت بعض الحصائر ( ج حصيرة ) والمصنوعة خاصّة من سعف النّخيل ، تصنع وتستهلك محلّيا ؛ ولكن بعد غزو الأسواق بالحصائر المصنوعة من قصب الوادي وبعده الحصائر البلاستيكية ، إندثرت هذه الصّناعة التّقليدية .


صناعة الأواني الخزفية


وتشمل هذه الصّناعة صناعة أواني المطبخ وأواني جلب الماء وأواني تخزينه والخابيات الضّخمة لإدّخار التّمور والحفاظ عليها ، وأواني للحفاظ على السّمن والعسل . وهذه الأواني تنتج محلّيا في دوار " تيغرمت " الّذي لا يفصله عن أكادير الهناء سوى وادي طاطا . وصنّاع هذه الأواني من أبناء عائلات عريقة في هذه الصّناعة في تغرمت وكانو يغرقون الأسواق الأسبوعيّة لطاطا بكلّ حاجيات النّاس من هذه المنتوجات الخزفية ، وهذا قبل أن تغزوا الأسواق المنتوجات الألمنيومية والبلاستيكيّة


صناعة أدوات العمل :


الأدوات ماهو منها خشبي يصنعه المهنيّون بأنفسهم ، وخاصّة منها الفلاحيّة ؛ فماعدا بعض الأجزاء الحديديّة من الآلة فإنّ الفلاح لا يضطرّ للذّهاب إلى السّوق لشراء مايمكن صناعته . مثل المحراث ، الفؤوس وأدوات الرّفش والحفر والقطع ، كلّ هذه الأدوات تصنع الأجزاء الخشبية منها من أشجار الرّمان والزّيتون من طرف الفلاح . وألواح البناء الخشبية والّتي تصنع من جذوع النّخل ؛ كان البنّاءون يعدّونها بأنفسهم وتعمل كما تعمل الألواح المصنوعة من خشب الفلين مثلا .


صناعة القصب وأوراق سعف النّخيل :


والقصب نادر لقلّة زراعته . وتصنع منه بعض خلايا النّحل على شكل صندوق مستطيل يتمّ تبليطه بروث البقر الّذي مازال طريا - إن صحّ التعبير-؛ كما تصنع منه بعض السّلال الّتي تستخدم لجمع التمور. ويستعمل كذلك في صنع الأقلام لطلبة المدارس القرآنية . إلاّ أنّ بتواز مع هذه الصّناعة الّتي على كلّ حال قد لا نسمّيها صناعة ، تنشط صناعة أوراق سعف النّخيل كون النّخيل متوفر في الواحات وعلى طول وادي طاطا . وتصنع من هذه المادة المتوفرة عدّة أنواع من السّلال المستعملة في التّبضّع من السوق وحمل الغلال من الحقول وتصنع منها كذلك "شواري " وحمّالات الرّوث على ظهور الحمير والبغال وبعض أنواع الحصيركما أسلفنا ، كذلك تستعمل لصناعة نعوش نقل الموتى ، كذلك تفتل من أوراق السعف: الحبال بكلّ أنواعها وأحجامها ، والمكانس. ويعتبر سعف النّخيل رمزا للفرح في الإحتفال حيث تزيّن به أبواب المنازل في حالة الأعراس وحتّى في الحفلات والأعياد الوطنيّة .


الصناعة الجلدية :


ترتبط الصّناعات الجلديّة بتربية الماشية ، غير أنّ هذه الأخيرة غير ذات أهمّية في منطقة يندر وجود الغطاء النّباتي فيها حيث يقلّ متوسّط التّساقطات عن 100 مم في السّنة. لكن رغم ذلك فهي ليست منعدمة كلّيا وتستعمل جلود الشّياه في صناعة القـِرَب ، وتسمّى القربة الواحدة : أيدّيدْ " لتبريد المياه في المنازل ، ويستعملها المتنقلون والمسافرون مشيا بين القبائل كما تستعمل لصناعة اللّبن واستخلاص الزبدة ، وتستعمل قربة خاصّة لذلك تسمّى " تاكشـّولـْتْ " . كما تستعمل القرب لتخزين التّمور والحفاظ عليها لشهور وحتّى لسنوات . يستعمل الجلد كذلك لصناعة الدّفوف وتغليف الطّبول . وتستعمل جلود الشياه والبقر لصناعة سجّادات الصّلاة . يستعمل كذلك بعد دبغه في صناعة الأحذية رغم أنّ هذه الأخيرة نادرة جدّا .


الصناعة المرتبطة بالخشب:


تصنع من النّخيل الأعواد الّتي تسقّف بها البيوت ، فتصنع من جذوعها ألواح تعتمد في صناعة أبواب المنازل والغرف . كما أسلفت تصنع من جذوع النّخل ألواح البناء الخشبية وبعض الأدوات الّتي تستعمل بعيدا عن الماء لأنّ الأخير عادة مايؤدّي إلى تفتيتها . ويستعمل سعف النّخيل في تسقيف البيوت كما يستعمل بعد نزع أوراقه كمغارف لتحريك الوجبات أثناء طبخها . كما يستعمل خشب الرّمان وأشجار أخرى غير النخيل في صناعة الأبواب وأعمدة الخيام وسواري ألسّقوف ، وصناعة ألواح طلبة المدارس القرآنية . ويستعمل هذا الخشب في صناعة أقفال الأبواب والصّناديق الخشبية و كذلك بعض الأواني كالأطباق و "المهاريز " (ج مهراز) وتسمّى" تافردوت " بالأمازيغية وهي آلة بسيطة لسحق بعض المواد الصّلبة وتتكوّن من إناء خشبي بعمق 30 سم وقطر 15 سم تدكّ المادّة الصّلبة بعصا غليضة داخل الإناء وقد استبدلت هذه الآلة بأخرى حجرية ثمّ بأخرى نحاسية تلتها العصارة الكهربائية ؛هذا كلّه قبل غزو الصّناعات الخشبية المتطوّرة لأسواق طاطا .


أنشطة البناء


عادة ما تبنى البيوت بالطّين وحده بطريقة الألواح الخشبية، حيث يوضع اللّوحان واللّذان قد يصل طولهما إلى 3 أمتار بعلو متر واحد يفصلهما عرض مقداره 60 سنتمتر أو أكثر يفرّق بين اللّوحين بعصيّ غليظة تربطها حبال متينة تمنع تمدّد عرض اللوح أو تقلّصه ، ثمّ يملأ بالتّراب المختمر في الماء لعدّة أيّام ، ويدكّ بآلة ثقيلة عبارة عن عصا غليظة بطول مترين تنتهي بأسطوانة خشبية بعلوّ 40 سنتم وقطر 20سم . حتّى إذا امتلأ مابين اللّوحين بطين مضغوط يسحبان للتّالي وهكذا . وتبنى المنازل كذلك بالحجر الصلب وأحجار الكلس لوفرتها . كما تسقّف البيوت بجذوع النّخل وتعمّد بأعواد سميكة من شجر الرمان أو غيره . وفوق الأسطح توضع قنوات مصنوعة من جذع النّخيل أو القصدير لتصريف مياه الأمطار مباشرة إلى الزّقاق المجاور تسمّى " الميزاب " . و تترك شرفات عند بناء الجدران ولكل الحجرات حتّى تدخل إليها الشّمس . وتكون الغرف واسعة وعريضة الطول قد يصل طول الغرفة إلى 10 أمتار أو أكثر . وحيث أنّ البيوت تبنى على مساحة واسعة فإنّ الحجرات عادة ما يكون عددها أكثر من أربعة تتوزّع في أكثر من طبقة ، قد لا يفوق عددها أربع طبقات لعدم وجودالأعمدة الصّلبة كسواري الإسمنت المسلّح. أمّا الأعمدة التي تكلّف عادة بتحمل أكثر من طبقة فهي الأقواس المبنية بالحجر والطّين ؛ حيث يتقوّس القوس تدريجيا بتداخل الأحجار الكبيرة والصّغيرة فيما بينها ، لتشكّل في الأخير سارية من أعمدتين تعتمد أساسا في البناء القديم ؛ وتقسيم الغرف يعتمد منذ القديم على نمط محدّد يبيّن كرم الأمازيغ من حيث ضرورة وجود غرفة كبيرة للضّيوف يسمّى" أمْصْريْ "مزيّنة ببعض الصّور والأشكال الهندسية في الجدران الأربعة بجهتين على الأقلّ ، تطلاّن على الخارج ، وسقف مزيّن بأشكال هندسيّة يجعل سعف النّخيل وجذوعه المصبوغة بمادّة حمراء تسمّى " أسْكو " يشكّلان مناظر طبيعيّة ملفتة ؛ ينبهر الضّيف من الأيدي الّتي حوّلت موادّ تافهة إلى أشياء تشدّ الأنظار. أمّا بعض العائلات الميسورة فتعتمد في بناء السّقف على أعواد شجر الدّفلى المصبوغة بألوان متعدّدة من الأحمر والأخضر والأزرق والأصفر مشكّلة أشكالا هندسية ؛ يتحدّث أصحاب هذا الفنّ عن أشكال مثل الصّندوق والسّمكة والرّيشة وغيرها . وكثيرا ما نجد هذه السّقوف في أضرحة الأولياء ومازالت تتراءى لزائر ضريح سيدي محمّد نيت احساين عند مدخل القبّة . ويعتبر" أحمد بن عبد الرّحمان باحسيني " وإخوانه ، الرّائدين في هذا الفنّ بل وصدّروه إلى مدينة مرّاكش منذ السّبعينات من القرن الماضي ، ولهم زبناء من أصحاب القصور والفنادق الفخمة ذات الطّابع السّياحي التّقليدي . ويكون المطبخ التّقليدي أساسيا في البيت ، ويتّسع لبناء أفران لطبخ " أغروم ن تونّيرت " والأشكال الأخرى من الخبز الذي سبق ذكرها . ويتوسّط البيت دهليز يسمّى" أعـْكـْمّي "أو"تادّ ْواِريْتْ " وهو مكان خاصّ بحفلات الأسرة أو التّجمّعات العائلية . وتشكّل السّطوح في منطقة حارّة معظم فصول السّنة مكانا ذا أهمّية في بيوت سكّان طاطا ، حيث يحيطونها بجدران بعلوّ مترين أو أكثر حتّى لا تتجسّس عليهم الأسر الأخرى، و تكون الأمكنة المناسبة للتّجمّع ليلا وتناول وجباتهم وللنّوم أيضا . ولسعة المنزل يفرّق بين سطوح الغرف لفصل الأولاد عن البنات والأزواج عن الآخرين . وتلتصق البيوت ببعضها وتشترك عند البناء في الإعتماد على جدران البيت الّذي بني قبلا .


الفضاءات المكانية للتّلقي الثّقافي


في كلّ المجتمعات البدوية والقرويّة ، نجد ولا بدّ فضاءات مكانية للتّلقي والإبداع والدّردشة الشّفاهية ، أو فضاءات للتّشاور على مصالح القرية الإقتصادية والإجتماعية والسّياسية ، وقد تتعدّاها إلى مجالس إرشاد ومحاسبة . و أكادير الهناء في ضوء كثافته السّكانية ، وتوسّع عمرانه ، واختلاف أجناسه ، وطبقاته المكوّنة للنّسيج الإجتماعي المتعدّد المظاهرالثقافية ، يكون من الصّعب أو من المستحيل الوقوف على ميكانيزمات هذا التّلاقح المنسجم ، والّذي تتكرّس من خلاله ثقافة شعبية متشعّبة ومتجدّرة في المشهد اليومي ، و يستحيل في ضوئها التّحدّث عن ثقافات بل عن ثقافة واحدة يستظلّ بها الكلّ ، ويشارك فيها كلّ ضمن طاقاته واختصاصاته الطّبيعية . وكلّ فضاء له رجالاته ، بالرّغم من أنّ البعض قد يشترك في فضاءات متعدّدة تسمح له بها قدراته الإبداعيّة . وقد تحدّثنا عن فضاءات ثقافية تكرّس هموم البلدة من خلال أحواش والفنون المنبثقة عنه ؛ وساتحدّث هنا عن بعض الفضاءات الّتي لا توليها معظم البحوث أيّة أهمّية لسبب قد نرجها إلى نظرة دونية غير ممبرّرة .


المساجد :


في القرى والبوادي كأكادير الهناء ( وأذكّر أنّي أتحدّث عن عقدي السّبعينيات والثّمانينيات ) . للمسجد وظائف تعبّدية دينية وتعليميّة ، لكن ، لها كذلك وظائف أقلّ أهمّية ، على الأقلّ بالنّسبة للتّصوّر الرّاديكالي . فالمسجد يعتبر الملتقى المثالي للعجزة وأكابر السّن ، سواء أثناء الصّلاة أوقبلها أو بعدها ، إذا اعتبرنا أنّ المسجد بالمفهوم التّقليدي مكان عامّ لا يجب إغلاق أبوابه إلاّ ليلا . يجتمع أكابر السّن قبل أو بعد الصّلاة في مكان خارج مقصورة الصّلوات . فلا يطيب لهم شيء إلاّ الغوص في الماضي السّحيق . وفينتهز بعض طاعني السّن فرصة ترقبّ أصدقائه في استعادة ذكريات بطولاته في كلّ ميادين الحياة ، قبل أن تسحقه الشّيخوخة . وأبطال هذه الرّوايات معروفون جيّدا في هذه التّجمّعات الّتي تتخذ بهو المسجد في أكادير الهناء فضاء إستثنائيا . وفي شهر رمضان وحين يطول النّهار ويشتدّ الحرّ ينضاف إلى المستمعين الشّباب والأطفال أحيانا من غير أن يسمح لهم في الدّخول في معمعة الحكي . من الرّوايات من يتحدّث عن حروب خاضها أصحابها أو نقول أبطالها بالوكالة عن فرنسا والحلفاء في الهند الصّينية . وكيف أنّه أقام في معسكرت لشهور وخاض أثناءها مواجهات دون أن يعرف كيف يتواصل مع زملائه وقوّاده إلاّ بالإشارة فهو أمازيغي مائة بالمائة . ويتحدّث بفخر عن الميداليات الّتي أحرزها والنّياشين الّتي عمّدها له رؤساؤه دون أن يستطيع يوما أن يثبت ذلك لمستمعيه . وقد تستغرق الرّواية ما قبل ومابعد صلاتي الظّهر والعصر وما بينهما دون أن يستطيع وضع نقطة النّهاية لقصّة لا تنتهي أبدا . ومن الرّوايات من تحكي عن بطل خارق وينسبها الرّاوي إلى نفسه طبعا يقول أنّه ذهب إلى الحجّ ماشيا في زمرة من أصحابه ، لكنّه ولسبب من الأسباب ، تخلّف عن الموكب وظلّ الطريق على ما يبدو، وتفاجأ في سقوطه أسيرا في قبضة قبيلة من القبائل الإفريقية البدائية سمّاها " بني كلبون " ويشير إلى أنّهم سود متوحّشون ولغتهم غريبة ولا يفهم منها إلاّ " أتاوْ جْتاوْ تاوْ تاوْ " ولكنّهم مسلمون أو بداية العهد بالإسلام ؛ ولأنّه أسود مثلهم ، فإنّهم تركوه ولم يؤذوه . لكنّه فكّر في حيلة : إدّعى لهم أنّه يستطيع أن يؤمّهم في الصّلاة ، وبالإشارة فهموه وتواصلوا معه بالإيجاب . ولأنّه لا يعرف لا القراءة والكتابة مثلهم ، فقد لبث فيهم أشهرا يصلّي بهم ويقرأ كيفما اتّفق ؛ فأكرموا نزله وعظّموا شأنه. ولمّا أمن وأحسّ بالحرّية ، هرب ليلا وعاد إلى المغرب دون أن يتمّ نيّته في الحج . ومن الشّيوخ من لا يستطيع حتّى أن يتذكّر : أصلّى الظّهر أم لم يزل ؟ لكنّه يستطيع تذكّر كلّ صغيرة وكبيرة في العشرينات من عمره أيّام كان يطارد التّيوس والغزلان في الغابة ؛ وقد يقسم أنّه لم يعد يوما بدون غنيمة . ومنهم من يعدّد زوجاته الّتي طلّقهنّ قبل أن يصبح رهينة الأخيرة الّتي جعلته مجرّد لاجئ في منزله . وقد يتحدّاه شيخ آخر في السّبعين من عمره بوصفه هو أنموذج للفحولة الّتي لا تفتر ، فبعد رحيل زوجته الّتي أنجب منها ستّة أبناء لهم الآن حفدة ، إستطاع أن ينجب 4 أطفال من فتاة لايزيد عمرها عن الثّلاثين وباستطاعته أن يضيف إليهم آخرين ؛ يقول وهو لايستطيع بالكاد أن يفتح عينيه : ولولا أن أصير أضحوكة النّاس لأضفت زوجة أخرى . ومنهم من يعدّد ضحاياه من الإستعمار الفرنسي قبل أن يفاجأ بزميل له في الجلسة يتحدّاه بجرأة : أسكت آسّي محمّد ،إنّك في بيت اللّه ، وإنّ الموت قريب إليك أقرب من ظلّك . كيف لك أن تقول ذلك وأنا شاهد على أنّك لا تعرف أصلا كيف يؤخذ السّلاح ، فكيف بك أن تطلق رصاصة وتصيب فرنسيا ؟ وغير هذه الحكايات - وأبطالها - كثيرة وتشهد عليها أبهاء المساجد .


الأزقّة والدّروب :


تعتبر بعض الأزقّة وبعض الأماكن الخاصّة معقلا لبعض النّاس الّذين يظهرون للآخرين حنكتهم وبراعتهم في التّعبير الشّفاهي الّذي لا ينهيه حتّى يتركه الجميع إلى أشغالهم أوحين يستبدّ الظّلام بالمكان . ومنهم من يظلّ طوال النّهار ينتظر ظهر فتاة يفترض أن تمرّ أمامه لجل الماء من العين فلا يحصل على شيء . منهم بطل الحكايات الّتي لا تنتهي ، ويسمّى " أحمد أوعلي " هذا الرّوائي الكبير الّذي لو دوّنت له منذ السّبعينات حكاياته وأحلامه الّتي تفوق قدراته ، لألّف مجلّدات قد تكون في أسوإ الحالات تحدّت السّرد اللامتناهي لحكايات ألف ليلة وليلة . في مكان يسمّى " تدّربت أوعتـّو " قرب ممرّ رئيسي لنساء وفتيات وعموم سكّان أكادير الهناء . يبدأ المرحوم " أوعتوّ " وهو خرّاز أومصلح الأحذية عمله كلّ صباح ، وتبدأ فلول المبدعين الشّفاهيين ومتلقّيهم في تحويل الزّقاق القريب من المسجد إلى حلقة يتناوب فيها البعض في سرد مغامراتهم اليومية ، أو حتّى في اختلاق بعض الأحلام الّتي لم يروها أبدا في مناهم . بينما البعض الّذين هم حديثي العودة من المدن البعيدة ، يروون أحداثا لم تكن أبدا واقعة إلاّ في مخيّلاتهم ، تجعل الكلّ وخاصّة الأطفال ينبهرون ويظلّون فاتحي أفواههم شوقا إلى نهاية الحكايات الّتي قد لا تنتهي إلاّ بحلول وقت الغذاء ؛ حيث ينفضّ الجمع . ثمّ تعود الحلقة إلى تشكيل نفسها بعد الظّهر يوما بعد يوم وعلى مدار السّنة .


المدارس القرآنية :


تعتبر المدارس القرآنية إلى زمن قريب ، أعني قبل الإستقلال وبعده ببضع سنوات ، الوسيلة الأولى الأولى للتّعليم في طاطا ، رغم أنّ سلطات الإستعمار حاولت إستقطاب جلّ الأطفال الّذين هم في سنّ التّمدرس ؛ ونجحت في تدريس بعضهم وخاصّة أبناء الأعيان والعائلات المحظوظة . غير أنّ ذلك لم يغيّر من الأمر شيئا . فكانت نظرة الطّاطاوي إلى المدارس القرآنية نظرة تقدير، وتصرّ على أطفالها أن يتلقّوا التّعليم الأصيل كوسيلة للإستقامة في حياتهم ثمّ من بعد يصبحوا فقهاء ، وهذا كلّ غايتهم في الحياة . ويبتدئ الطّفل في تلقّي تعليمه الأوّلي منذ سنّ مبكّرة عند الفقيه - أو ما يسمّى محلّيا " الطّالب " - بتعلم أحرف الهجاء العربيّة بطريقة تواصل أمازيغيّة ، إلى أن يتمكّن من حفظ القرآن كاملا في ظرف 3 سنوات ؛ حيث تقيم له أسرته بتعاون مع المدرسة القرآنية ، حفلة تسمّى محلّيا : " تمغرا نْ لوقرانْ " وتعني : عرس القرآن ؛ حيث يُحمل الطّفل على حصان معدّ لذلك ويلبس جلابة أو قميصا أبيضا مع طاقية في نفس اللّون ، و يطاف به في كلّ أرجاء البلدة تقديرا له ، وتحريضا له ولأصحابه على الإجتهاد في حفظ القرآن . ومن بعد ذلك يعود مرّة أخرى لحفظ القرآن ، وعندما يتمّ له إتمام حفظه ثانية ، يعاد له العرس مرّة أخرى ؛ وفي المرّة الثالثة كذلك ؛ ثمّ يتفرّغ للفقه وللنحو العربي والتّراكيب وحفظ الشّعر، عن طريق ما يسمّى في المغرب ب "المتن " مثل متن إبن عاشر و ألفية إبن مالك ومتن الأجرومية ، إلى أن يتمكّن من حفظ كلّ ذلك تماما . حيث يحقّ له أن يناديه الجميع : الطّالْبْ " أو الفقيه . ثمّ يرتقي ليصبح إماما لمسجد من المساجد في قرى سوس ومدرّسا لطلبة القرآن والعلم . وتستقبل المدرسة القرآنية في أكادير الهناء - المشهورة في كلّ أرجاء سوس - طلبة من كلّ النّواحي؛ يدرّسهم فقيه محلّي وإمام المسجد التّابع للمدرسة ؛ فيختلط الطّلبة من كلّ القبائل ، قد يصل عددهم إلى أربعين أو أكثر ؛ وتتناوب كلّ العائلات في أكادير الهناء بدون استثناء ، في إطعام هؤلاء غذاء وعشاء ، وجبتين لكلّ عائلة ويتمّ دفع أجر الفقيه الأستاذ من طرف السّكان ، مرّة على رأس كلّ سنة ، بغضّ النّظر عن بعض الهدايا الّتي يتلقّاها خارج أجرته ، مثل الحبوب والتّمور وغيرها . كما كان مفروضا على الطّلبة المحلّيين وخاصّة المبتدئين أن يأتوا زوال كلّ يوم أربعاء بحزمة من سعف النّخيل الجاف تهدى إلى المسجد لتسخين مياه الوضوء ، أوصاعا أوصاعين من التّمر قد تهدى في أغلب لبحالات للمدرّس .


"دار تناست "


المكان يسمّى " دار تناست " والإسم مركّب من إسمين إثنين : دار وهو عند ، وتـَناسْتْ كلمة أمازيغيّة مؤنّث أَناسْ وهو النّحاس . هذا المكان الموجود عند مدخل الحقول قريبا من الدّوار، يتمّ فيه تنظيم رّي وسّقي حقول السّكان عن طريق التّناوب والتّتابع بواسطة آلة تقليديّة تسمّى تناست . هذه الآلة تتكوّن من جزئين : دلو نحاسي قد يصل حجمه إلى 15 لترا ، وطبق نحاسي صغير ثقيل نسبيا ، حجمه نصف لتر ماء تقريبا وبقطر 20 سنتمترا تقريبا كذلك ؛ في وسط قعره ثقب يسع رأس إبرة صغيرة . والحصّة المائية والّتي تسمّى أمازيغيا " تناسْتْ " تبدأ وتنتهي كالتّالي : يوضع الطّبق النّحاسيّ الصّغير على صفحة الماء الّذي ينصّف الدّلو بهدوء وتؤدة ، وعند نفوذ أوّل قطرة ماء من خلال ثقب الطّبق ، تكون بداية الحصّة المائية قد بدأت ، وتنتهي بغرق الطّبق كلّه في الماء . وحيث أنّ مراقب الآلة ومنظّم الحصص قد لا ينتبه لذلك ، إذ يستغرق غرقه ساعة من الزّمن تقريبا ، فإنّ صوت الطّبق النّحاسي عندما يصطدم بقعر الدّلو النّحاسي أيضا ينبّهه إلى نهاية حصّة مائية ، وعليه أن يعلم الّذي بإمكانه أخذ النّوبة . والّذي يأخذ النّوبة - وتكون الحصّة الجارية من نصيبه - عليه أن يتأهّب للجري عندما تدقّ ساعة الصّفر . والعدْو بالأقدام ؛ ويمنع منعا كلّيا إستخدام درّاجة عادية أو نارية ؛ وتأخّره عن أخذ حصّته من الّذي سبقه ، والّذي استفاد من ذلك ، يجعله هو الآخر يستفيد من تأخّر الذي سيليه بعد أن تكمل حصّته . وهكذا دواليك ؛ حيث تستمرّ الحصص مابعد الفجر إلى ما بعد العشاء أو أكثر . ولدار تناست رئيس خاصّ بها لا ينتخب بل يرثه إبنه أو الّذي له دراية وتجربة بأمور التّنظيم المعقّدة الّتي لو أردنا الدّخول في تفاصيلها لكان علينا أن نخصّص لها بحثا مستقلاّ . وللرّئيس مستشارون غير رسميين ، يستشيرهم - وهو في العادة شيخ طاعن في السّنّ - في أمر تنظيم سير سقي حقول تمتدّ في سهل واسع قد تصل مساحتها إلى 4 كلم² . وعادة ما لا يرغب مرشّح للحصّة المائية في سقي حقله وبالتّالي يبيعها إلى آخر تكون حصّته المائية بعيدة في الزّمن . وبالتّالي تصبح دار تناست ملتقى كبيرا للسّكان منهم المنتظرين لحصص مستحقّة ، ومنهم من يتربّصون ببائعي الحصص ، ومنهم من يعتمدون على بيعها لإعالة أبنائه ، فقد لا تكون له مهنة غيرها . ويبدأ الشّفاهي المحكي بينما الكلّ ينتظر ضالّته . وقد يتفرّقون جماعات خارج بناية دار تناست - المكوّنة من حجرتين - غير بعيدين عنها يعدّون الشّاي ويشربون بينما الآخرون كذلك . ويغادرون بعد ذلك كلّ إلى غايته .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :




1- الأمازيغية والسّلطة ... رشيد الحاحي ص 12 و 13 منشورات دفاتر وجهة نظر/ الرباط


2- يمتد إقليم طاطا على مساحة قدرها: 25925 كلم مربع ( أنظر خريطة طاطا) من السفوح الجنوبية للأطلس الصغير إلى مشارف الصحراء المحررة ،و يبلغ عدد سكانه 121618 نسمة، منها 82558 نسمة في المجال القروي مقابل 39060 نسمة في المجال الحضري حسب إحصاء عام 2004 . تحده أقاليم تيزنيت وكلميم غربا وإقليم تارودانت شمالا وإقليمي زاكورة و ورزازات في الشمال الشرقي وإقليم أسا الزاك جنوبا والحدود المغربية الجزائرية في الشرق والجنوب الشرقي. ويتوزع سكان الإقليم بين أربع بلديات: طاطا وأقا وفم الحصن وفم زكيد و16 جماعة قروية وأزيد من 250 مدشرا يعد إقليم طاطا من أقدم مراكز العمران البشري في المغرب ، حيث استقر فيها الإنسان منذ عهود موغلة في القدم )أنظر موقع سوس في الخريطة الطّبوغرافية للمغرب)


3- يعتمد اللأمازيغ في شمال إفريقيا على أبجدية " تيفنّاغ " في التّعبير كتابيا منذ القديم إلاّ أنّه بعد دخول المسلمين وسيطرة العربية لغة القرآن على المدوّن في الحياة العامّة: إنحسر دور الأمازيغية في الشّفاهي ومع بداية السّبعينات بدأ إشعاعها يمتدّ لتصبح الآن وفي العقد الأوّل من القرن الواحد والعشرين وبعد إنشاء المعهد الملكي للثّقافة الأمازيغية(إركام) إحدى اللّغات الحيّة و المعترف بها رسميّا بعد العربية في المغرب على الخصوص وبدأ التّعامل مع الكتابةوالثقافة الأمازيغيّتين كمكوّن أساسي للهوّية المغربية .


http://afakir.elaphblog.com4 - الأدب الأمازيغي مدونة محمد أوفقيرالإليكترونية


5- يحسب دوار أكادير الهناء ضمن بلدية طاطا الجضرية ولا يبعد عن المركز شمالا إلاّ بكيلومترين لكنّ الشّكل العام للدّوار مازال قرويّا رغم أنّه يتوفّر على جلّ الضّروريات المدنية والحضرية ويعتمد إقتصاد الدّوار على مداخيل نسبة هامّة من أبنائه يتوزّعون على إدارات الدّولة في مركز طاطا .


6- عدد كبير من دواوير طاطا جماعات قروية وتعتمد إقتصاديّاتها على بعض المحاصيل الزراعية الهزيلة كالحنّاء وبعض أنواع الخضرو التّمور وتربية الماشية وبعض الصّناعات اليدوية كالخزف و الّتي في ذروة عطائها لا تلبّي إطلاقا حاجيات السّكان .


7 – تاريخيا هذه القبيلتان من عرب الصّحراء الرّحل وقد إندمجوا مع السّكان الأمازيغ الأصليين في مراحل متباعدة من التّاريخ المحلّي لطاطا الّذي لم نستطع أن نقف على ملابساتها إلى الآن .وهذه القبيلتان لها ثقافتها الخاصّة بها رغم التّشابه الكبير مع الثّقافة الامازيغية في معظم تجلّياتها .


8 – رقصة أحواش مدوّنة محمّد أوفقير الإليكترونية . http://afakir.elaphblog.com/posts.aspx?U=3391&A=35196


9 – فنّ أحواش معروف بهذا الإسم في المغرب ويشتهر به أهل سوس خاصة . وتسمية أكوال لأحواش محصور في طاطا .


10 – أحيدوس رقصة شعبية خاصّة بالأطلس المتوسّط وجزء كبير من الأطلس الكبير وتشبه أحواش لكنّها تتقاطع معه في بعض الخصوصيات . ومن رواد فنّ أحيدوس المايسترو موحا أوالحسين المشهور وطنيا ودوليا .


11 – جبال الأطلس الصّغير والمتوسّط والكبير إضافة إلى جبال الرّيف مناطق أمازيغية وأغلب سكّانها يتواصلون باللّغة الأمازيغيّة بلهجاتها الثّلاث :


تشلحيت في الأطلس الصّغير والكبير وسفوحهما وتمازيغت في الأطلس المتوسّط وتريفيت في الرّيف شمال المغرب .


12 – الدرست فنّ أحواش معروف ومتميّز عن الفنون الرّقصية الأخرى بطغيان القول الشّعري التّناظري على جميع مراحل الرّقصة فقد يحدث أن يقف المنشدون والعازقون ساعات يراقبون الشّعراء في حروبهم الكلامية وينتظرون من يضع نقطة النّهاية ويفتح باب الرّقص والعزف الّذي قد يطول انتظاره حتّى السّاعات الأخيرة من اللّيل .


13 – رقصة أحواش مدوّنة محمّد أوفقير الإليكترونية . http://afakir.elaphblog.com/posts.aspx?U=3391&A=35196


14 – رقصة إسمكان لها نكهتها الخاصّة وقدإهمل الباحثون في الفنّ الشّعبي هذه الرّقصة رغم أهمّيتها ,اعتقد أنّ أصل أحواش كان جدعا من شجرة رقصة إسمكان الّتي تستمدّ جذورها من إيقاعات إفريقيا السّوداء ونكاد إن قارنّاها برقصة كناوة بمراكش أو بكناوة الصّويرة قد لا نجد إلاّ فرقا يسيرا . وحتّى مقارنتها مع إيقاعات إفريقيا السّوداء إبتداء من جنوب إفريقيا تكون النّتيجة فرق بسيط في اللّغة وبعض الفوارق الّتي لا تعد ّفوارق في الجوهر .


15 – أنواع كثيرة ومتعدّدة من رقصات أحواش يعبّر من خلالها أمازيغ المغرب عن افراحهم ومسرّاتهم ويغتنمها الشّعراء للتّعبيرعن رؤاهم السّياسية والإجتماعية وحتّى الفلسفية وكما قلت سابقا فرغم إختلافها في طقوسها الشّكلية وحملها أسماء متنوّعة مرتبطة بمناطقها إلاّ أنها لا تختلف في الجوهر.


16 – الفلكلور كلمة ذخيلة على العربية وهي مقترنة بالسّياحة أكثر ممّا هي مفهوم جامع للفنون ذات الأصل والصّياغة الشّعبية وظلالها الخفيّة تكمن في تقديم أشكال الثّقافة الشّعبية للأجانب كبضاعة مربحة من خلال الإهتمام بالشّكل الخارجي وجعل فرجة السّائح في المقام الأوّل ( أنظر رشيد الحاحي في : الأمازيغيّة والسّلطة . ص 15 )


17 – أحواش النّسائي مثله مثل الرّجالي في تنوّعه واختلاف مظاهره من منطقة لأخرى وفي بعض المناطق كطاطا وإيسافن وتاكموت وإبركاك وتافراوت له وضعه الخاص وهو راق جدّا وله أهمّية لا تقلّ عن الرّجالي حيث له شاعرات يضاهين الرّجال ؛ وفي كتاب أغاني تساوْتْ ل"روني أولوج "المستمزغ تحدّت عن شاعرة إسمها مريردة نيت عتيق وهي مشهورة في الأطلس الأوسط الكبير. ( أنظر عمر أمرير " الشّعرالمغربي الأمازيغي " ص 19 )


18 – منطقة النّيحيت منطقة جبلية بين مدينة تارودانت وإغرم في إتّجاه طاطا .


19- ظاهرة وضح السّمّ غدرالا يقتصر على أمازيغ المغرب بل كان شائعا إلى غاية النّصف الثّاني من القرن الماضي . وهناك حكايات تروى عن أناس قضوا لمجرّد الشّبه وقعوا فيه عند تناولهم أغذية فعوض أن يضع ملحا أخطأ ووضع سمّا لنفسه ، لوضع السّمّ في علب إلى جانب مستلزمات المرق في المطابخ .


20 – هو الأستاذ الشّاعر والباحث الأكاديمي أحمد عصيد عضو بجمعية التّبادل الثّقافي ومناضل أمازيغي وعضو المعهد الملكي للثّقافة الأمازيغيّة له عدّة بحوث في تهمّ الأمازيغيّة لغة وثقافة وسياسة .


21 – الشعر الأمازيغي المغربي لعمر أمرير ص 16


22 - الشّعر الأمازيغي المغربي عمر أمرير ص :15


23 – يقابلها في العروض العربي التّفعيلة . والليللة من ألـَيْـلْ وهذا اللّفظ أمازيغي لكن نجد بعد الأغاني بالدّارجة العربية تستعمل أليل في بعض إيقاعاتها . وأليل أربع مرّات أو أكثر هي لازمة يبدأ بها الشّاعر قبل الشّروع في قصيدته .


24 – للرّوايس فنّهم الخاص ورغم أنّهم شعراءه يستعملون أوزان أحواش وأنساقه إلاّ أنّ لهم إيقاعاتهم الخاصّة وشكل رقصاتهم المختلفة في بعض تركيباتها عن أحواش .


1 - تزرارين لفظة أمازيغيّة مفردها " تازرارت " وتعني تعاقب تبادل الكلام المنظوم بين شخصين أو أكثر شطرا شطرا في سلسلة إنشادية دون عزف.


2 - الدّرست معناه أمازيغيا فنّ النّقائض في المعنى العربي ..


3 - تيويزي أو تاويزا معناه العمل الجماعي التّضامني . وهو عريق في التّاريخ الأمازيغي ومازال حتّى اليوم . وتقام تيويزي في الأشغال الّتي يشترك في إنجازها السّكّان وتهمّ المرافق العامّة ذات المنافع المشتركة للقبيلة وتطون أحيانا مجّانية .


4 - تقعيد الشّعر الأمازيغي والبحث في أنساقه وأنظمته الدّاخلية كان حلمي الشّخصي منذ 1996 . وقد كانت المهمّة آنذاك مستحيلة خاصّة على باحث غير أكاديمي يفتقر إلى آليات العمل المنهجيّ العلميّ . لكنّي تحدّيت الصّعاب وأرغب أن يرى بحثي النور مستقبلا ، و الّذي لم أعتمد في إنجازه على أيّة مراجع متخصّصة وهي لم تكن متوفرة أصلا . ولا أقول أنّي الأوّل الّذي بحثت في الشّعر الأمازيغي من حيث الأنساق بل هناك أساتذة كالشّاعر والباحث الأمازيغي والأستاذ إبراهيم أوبلا لكنّي وكما سمعت فإنّ كتابه : أوزان الشّعر الأمازيغي مازال إلى حدود كتابة هذه السّطور ينتظر الطبع و النّشر .


5 - اللّيْللة وحدة لغويّة يبنى عليها شطر القصيدة الأمازيغيّة فيى كلّ مناطق سوس دون استثناء . والشّاعر قبل أن يبدأ في إنشاد ما ابتدعته قريحته يفتتح القصيدة بوزنها أو نقول ببحرها بشطر من اللّيللة خال من الكلمات ..


6 - الدّال المحوري وأعني به الدّال الّتي ينطق بها الشّاعر بين اللّيللات حين يفتتح قصيدته في وزن الدّرست مثلا ّ ألاليل أللا دايل أللا لالال . فلا يمكن أن يستقيم الوزن مالم يوفّق الشّاعر في وضع حرف من حروف المحور في مكانها الثّابت والحروف ذكرتها في فقرة سابقة من الجزء الأوّل من هذالبحث الخاصّ برقصة الدّرست. والمحور يعني مركز النّبر في الشّطر حسب وزن القصيدة .


7 - تامسّوست أو تسوست من فعل إسّوس وهو نفض ؛ أقول بالأمازيغيّة إسّوسْ أكضرور أعني نفض الغبار . وتأتي تاسّوست بعد أن يستمرّ التّناظر الشّعري في الدّرست لوقت طويل قد يصل إلى حدّ المشاحنة والمجادلة الّتي قد لا تحمد عقباها إذا لم يُجعل لها حدّ . فيقوم شاعر من الحلقة الأحواشية فيلقي قصيدة يغيّر فيها موضوع التّناظر في لحن سريع يقوم العزف والرّقص بعده لنفض الأحقاد وتلطيف الجوّ وتكون الرّقصة خفيفة ثمّ يعود التّناظر من جديد إلى موضوع جديد .


8 - بالنّسبة لأحواش النّسائي لا نتحدّث إطلاقا عن الدّرست لتبقى رقصات أحواش كلّها على شكل تامسّوست .


9 - هذه الرّقصة الإستعراضية عادة مايقوم بها شباب إلتقوا في مناسبة ما ودون اتفاق مسبّق فينشدون قصائد من الموروث أو من أرشيف ذاكراتهم ويرقصون على أنغام العزف فتكون الرّقصة قصيرة تليها رقصات أخرى .


10 - للتّذكير فإنّي أتحدّث عن عقدي السّبعينات والثّمانينات من القرن الماضي ..


11 - الطّابوهات أوبالتاء مجموعة الظّواهر الغير ظاهرة للعيان ولكنّها تنقل سماعا ولا يريد أحد التّحدّث عنها وتدخل في إطار المسكوت عنه ..


12 - قد لا أجزم في ذلك ؛ بالرّغم من أنّ هناك فتاتا من أبحاث منفصلة تلقي الضّوء على الثّقافة الشّعبية في طاطا ونواحيها بشكل إمّا أنّه غير دقيق أو لا يرقى إلى البحث الشّامل ..


13 - وهذه حقيقة تاريخيّة رغم أنّه ليس هناك إحصاءات بمثل هذا الشّكل تفاديا ربّما لخلفيات عنصريّة . ففي طاطا هناك على الأقلّ دوار متوسّط الكثافة يشكّل السّمر 100 % من مجموع السّكان وهو دوار تالدنونت بالمقابل لا يوجد دوار بكثافة سكّانية معقولة سكّانه كلّهم من العنصر الأبيض ..


14 - القصيدة موجودة في شريط يظمّ القصيدة المشهورة : " نكّين أشّباب التّربيت ... "






الجزء 3


1 - أسطورة على شكل رواية طويلة شيئا ، وتسرد في جميع نواحي سوس الأمازيغية دون مصدر محدّد وبطرق مختلفة وحتّى أسماء شخوصها وطريقة سرد الأحداث تختلف من منطقة إلى أخرى .غير أنّ الثّابت هو الجوهر . واسم بطلها حمّو أونمير . وقد تمّ ترجمتها إلى فيلم أمازيغي من عدّة أجزاء يحمل إسم حمّو أونمير .


2 – لفظة إيميْنْ يقابلها في العربيّة القصص . ومفردها تيميتْ وهي القصّة القصيرة أو الطّويلة . وغالبا ما تكون موجّهة للأطفال لحمولتها الخيالية السّاذجة .


3 - أوعمّي شخصيّة حقيقيّة واقعية تتميّز بالخيال الواسع وإبداع القصص الخارقة والغريبة وينسب أحداثها ووقائعها لنفسه . لكن إعتاد سكّان أكادير الهناء على تسمية القصص الواقعية الحمولة ، والخارقة أن ينسبوها إلى شخص أوعمّي . فحين يقصّ شخص ما حكاية واقعية فيتبيّن أنها لا يمكن حدوثها في الواقع المعاش . يوقفه المستمعون بتهمة أنّ هذه من الفشوش ن بّا أو عمّي .


4 - أغلب هذه الأساطير تدوّن لأوّل مرّة .


5 - يوسف احنانة : " عايشة قنديشة : الأسطورة والحبّ والماء " جريدة الإتحاد الإشتراكي عدد 6326 / دجنبر 2000


6 - عبد الرّحمان المجدوب حكيم عربي شعبي معروف في كلّ الأوساط الشّعبة المغربية . روي عنه الكثير من الحكم والأمثال بالشّعر الزّجلي ..


7 - حمّو الطّالب شاعر يجمع بين الفقه والشّعر الأمازيغي وعشقه لأحواش وإلقاء قصائده فيه . وكلمة الطّالب عند الأمازيغ السّوسيين تعني الفقيه والمدرّس والإمام ويوجد ديوان لبعض أشعاره في المكتبات الوطنية ..


8 - سيدي خليل فقيه أمازيغي روي عنه الكثير من وجهات نظر فقهيّة باللّسان الأمازيغي هي إجتهادات تصبّ في تكوينه الصّوفي .


9 - التنابز هو القدف واختلاق أوصاف وأسماء للنّيل من كرامة الآخر . والتّنابز هو شكل من أشكال القدح والذّم والهجاء والسّخرية الممزوجة بالمرح .






الجزء 4


1 - المستمزغون : الباحثون الغربيون المهتمّون بالثّقافة الأمازيغية وخاصّة منهم الفرنسيون أمثال : Paulette Galand . Rene Euloge . George Rollon . Alexis Chotin . R ;Joustinard


2 - في الجزائر والمغرب وليبيا بدأ ظهور الإنشغال بإعادة الإشعاع للثقافة الأمازيغية من طرف مثقفين أمازيغ بداية العقد السّابع من القرن الماضي . وتبلور هذا الإنشغال بتكوين حركات حقوقية تدافع عن هذه الثّقافة وترفع راية بعثها من جديد .


3 - الإيديولوجيا العربية المعاصرة . ص 111 الطّبعة الثانية 1999 عن المركز الثقافي العربي


4- إبراهيم حركات . المغرب عبر التّاريخ ، ص : 48 ، المجلّد الأوّل ، طبع ونشر دار السّلمى ، الدّار البيضاء .


5 - أعني بالمواسم الجهوية المفهوم الكلاسيكي والقديم للكلمة وهذه كانت شائعة ورسمية قبل أن


تزاحمها المواسم ذات الشّكل الجديد وهو ما يسمّى الآن بالمهرجانات الثّقافية وهو تطوّر نوعي في الحياة الأمازيغيّة الثّقافية . ويتشابه الجديد القديم إلاّ في جانب المعتقدات والأساطير القديمة . وأذكر على سبيل المثال لا الحصر مهرجان تيفاوين بتافراوت ..


6 - يشتهر سكّان الصّحراء المغربية بثقافة متميّزة بما فيه الرّقص والغناء والشّعر ويتكلّم الصّحراويون لغة عربية بلكنة حسّانية تمتدّإلى داخل موريطانيا جنوبا و تختلف عن الدّارجة العربية المغربية في البعد الفونولوجي وليس في المعجم ، وتشترك والامازيغيّة في بعض المفردات والتّعابير اللّغويّة


7 - زاوية أيت احساين بأكادير الهناء لها تاريخ عريق ، ومشهورة في معظم مناطق سوس . كما أنّها تلقى احتراما لدى السّكّان ولدى جلّ الأمازيغ وعرب طاطا الصّحراويين لوجود قرابة مصاهرة بين عائلة أيت حساين وعائلة ماء العينين ، وقد اكتفت الزّاوية في العقود الأخيرة من القرن الماضي - أكثر دقّة عقد الثّمانينات وما قبله - بدور كونها دار ضيافة ترحّب بكلّ من يحلّ بالدّوار أكانوا أفرادا أو جماعات . ويرأسها سيدي أحمد أوبراهيم وهو من سلالة عائلة أيت احساين وهي عائلة من النّبلاء ( إذا صحّ التّعبير ) ذوو علم وجاه . وقد توفي صاحب الزّاوية خلال عقد التّسعينات من القرن الماضي ، وخلّفه في ذلك إبنه إبراهيم . لكنّ الظّروف تغيّرت كثيرا بعد وفاة سيدي احمد أوبراهيم الّذي كان إضافة إلى كرمه الكبير على ضيوفه ، يستقبل مرضى المسّ الجنوني مرضى آخرين من محلّيين ووافدين فيعالجهم بدون تردّد . وبعد استقلال المغرب كانت الزّاوية تستقبل المواطنين المحلّيين في احتفالات عيد العرش وعيد الإستقلال والأعياد الدّينية كذلك حيث يقدّم الطّعام بسخاء للجميع ثمّ في المساء تقام رقصة أحواش الرّجالية حيث يستدعى كبار الشّعراء الأمازيع من الدّاخل والخارج ، وكان سيدي احمد أو براهيم شاعرا كبيرا . فهولا يستنكف يقارع الشّعراء الآخرين بما تجود به قريحته . وكانت الزّاوية الحساينية تستقبل المجموعات الغنائية المتجوّلة مثل جماعات الرّوايس بمختلف أسمائها ومهما كان عدد أفرادها والّتي تقصد مثل هذه الزّاوية لمعرفتها بكرم أهلها وكذلك مجموعات الرما البهلوانية ، ومجموعات إعـْسَوييْنْ ذات العروض الخارقة من شرب الماء المغلي وضرب الأجساد بالسّكاكين الحادة إلخ .. كانت هذه الزّاوية بحق ملجأ ودار ضيافة مجّانية لجميع من يرغب في المرور بدوّار أهله كرماء ..غير أنّ بعض من هؤلاء الزّوار الّذين يأتون جماعات يضربون موعدا للعودة في العام التّالي .وبعد ذلك ترتقي إلى عادة تألفها الزّاوية وتستعدّلها في الزّمن المعيّن .


8 - قبيلة جبلية أمازيغيّة تحسب على إقليم تارودانت شمال إقليم طاطا حسب التّقسيم الإداري للمناطق لسنة 1977 . 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق